ليس هناك أبدع ولا أجمل من أن تحصد ثمار جهدك وعرقك، حينها ستدرك أنها كانت تستحق ما بذلته وما واجهته من مشاق وعثرات وتحديات، وستنظر إليها بفخر شديد وتتباهى بها في كل محفل ومكان تحل فيه. ما سلف كان انطباعي الأساسي الذي خرجت به، عقب مشاركتي في حفل افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسي، لمحور "روض الفرج"؛ ذلك المشروع الضخم، الذي ينضم لسلسلة طويلة من المشروعات القومية الكبرى التي تستهدف تغيير وجه حياة المصريين للأفضل، وتيسير تنقلهم بين ربوع البلاد دون عناء أو مشقة، وتوفير وقت ثمين كان يُهدر على الطرق القديمة التي وصلت لمرحلة مزرية من التدهور الناتج عن افتقادها الصيانة لسنوات متعاقبة، بالإضافة لتوفير قرابة 300 مليون جنيه سنويًا كانت تنفق على السولار والبنزين الذي تستخدمه السيارات خلال رحلتها من شبرا إلى طريق مصر - الإسكندرية الصحراوي فقط. وما زاد شعوري بالفخر أن هذا المشروع العملاق محور روض الفرج نفذ بالكامل بأيد مصرية ماهرة ممثلة في نحو 4 آلاف مهندس وعامل وفني من شركة المقاولون العرب، وتحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وانتهى العمل فيه في وقت قياسي يقترب من أربع سنوات، وهو إنجاز مبهر، خصوصًا إذا علمنا أن كوبري أكتوبر مثلا استغرق تنفيذه 17 عامًا بالتمام والكمال. وبدون شك فإن عوائد افتتاح محور "روض الفرج" ستكون متعددة وشاملة على صعيد التخفيف من الاختناقات المرورية بأجزاء عديدة بالعاصمة، وفتح الآفاق الرحبة لإقامة مناطق وتجمعات صناعية وتنموية تسهم في دفع قاطرة الاقتصاد القومي، وضخ مزيد من عناصر القوة والثبات في شرايينه؛ لأن وجود بنية تحتية متطورة ومطابقة للمواصفات والمعايير الدولية يشكل نقطة جذب رئيسية لكل راغب في الاستثمار في بلادنا. وبكل تأكيد فإن فوائد المحور الجديد جديرة باستعراضها تفصيلًا وبيانها للمواطنين، ليدركوا تمام الإدراك حجم الإنجاز الكبير الذي تحقق، لكنني شغلت بأمرين حيويين يندرجان أيضًا ضمن قائمة الفوائد العظمى. الأمر الأول: إن المشاركين في المشروع اكتسبوا خبرة عريضة لا تقدر بثمن في قطاعي الكباري المعلقة والطرق، وهؤلاء كنز ينبغي استثماره وتعظيم الاستفادة منه داخليًا وخارجيًا، لاسيما في القارة الأفريقية التي عُدنا إليها بقوة في السنوات الماضية، وتسعي الكثير من دولها لتحديث شبكات الطرق لديها وبناء كباري بها، وبالطبع ستنقل خبراتهم المكتسبة لأجيال شابة بمصر، بعد أن كنا نستعين بخبراء أجانب من الألف للياء في العديد من المشروعات، وكانوا بالغي الشح في نقل خبراتهم ومعارفهم للجانب المصري، وإن فعلوا تكون في أضيق الحدود. نحن إذن بمثل هذه المشروعات نؤسس لنوع من الاكتفاء الذاتي في خبرات هندسية وفنية نحتاجها دائمًا، فعجلة التطوير والتحديث انطلقت وستواصل المضي قدمًا للأمام، مهما تكن العقبات، وتلك الخبرات ستكون زادًا يدفعها صوب تحقيق الغايات المرسومة لها من قبل الدولة المصرية. ولك أن تعلم عزيزي القارئ أن العاملين في محور "روض الفرج" ابتكروا معدات ثقيلة لاستخدامها في تشييد الكوبري المعلق، وهذه الابتكارات مصرية خالصة، ويمكن توظيفها في مشروعات مستقبلية من هذه النوعية، أو تصديرها للخارج، وستجد في المحصلة النهائية أن المشروع فتح بابًا كبيرًا لتنمية الابتكار والإبداع لدى الأجيال الشابة من المهندسين والفنيين المشاركين فيه. الأمر الثاني: أننا أدركنا وفهمنا الآن السر وراء إصرار القيادة السياسية على البدء في المشروعات القومية في توقيت شبه متزامن، والضغط لإتمامها وفقًا لجدول زمني محدد ووسط متابعة مستمرة من جانب الرئيس السيسي لمعدلات التنفيذ، وطبقًا لاشتراطات جودة معينة كان يتم تأكيدها في كل خطوة من خطوات التنفيذ. أما السر، فيكمن في التكاليف المالية، فلو كنا أجلنا بعض المشروعات القومية حتى يومنا هذا لزادت التكلفة ثلاثة أضعاف، ولن نستطيع بالتالي الوفاء بها في ظل الظروف والأوضاع المالية للدولة المصرية المحكومة في حركتها وخططها للمستقبل بالدخل القومي وأوضاعنا الاقتصادية والمالية، وأسعار الطاقة العالمية، وسعر صرف العملات الأجنبية، فعلى سبيل المثال بلغت تكلفة مشروعات الطرق حتى الآن 160 مليار جنيه، ولو كنا بدأنا في تنفيذها اليوم ستكون 400 مليار جنيه، وهو ما يؤكد لنا صواب الرؤية المعلنة من جهة القيادة السياسية التي تحرص على تعويض المواطن المصري عما حُرم منه من خدمات حياتية خلال العهود السابقة. لقد أثبت المصريون لأنفسهم وللغير أنهم أصحاب عزيمة وإرادة صلبة لا تلين، وقادرون على تحقيق المعجزات، وأنهم ماضون على طريق البناء والتعمير، ولن يلتفتوا لدعاة الإحباط واليأس ولا لمروجي الشائعات والأكاذيب.