أحمد البري يكتب: قضية اليوم كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يبشر أصحابه بقدوم رمضان قائلا: "قد جاءكم رمضان، شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه، ففيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب الجحيم، وتغل الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر"، وكان من دعاء الصحابة: "اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه منى متقبلاً"، فالصيام له طعم خاص ولذة عجيبة، فهو يبعث في النفس قوة الإيمان والشجاعة والعزة والكرامة.. إنها حياة الروح والانتصار على النفس والشهوات، وحياة الصلة والثقة بالله، وهنا يكمن جمال رمضان وروعته بهذه الروحانية العجيبة التي توقظ المشاعر وتؤثر في النفوس، فرمضان له في نفوس الصالحين الصادقين بهجة؛ وفى قلوب المتعبدين المخلصين فرحة؛ فهو شهر الطاعات، وزاد الروح الذى تتغلب به على البدن والجسد، فالروح سماوية، والجسد أرضى، وعند موت الإنسان يتجه كل شئ إلى أصله، فالروح إلى السماء، والجسد إلى الأرض، ومن الناس من يسعى لحياة الروح، ومنهم من يسعى لحياة الجسد، ولكن لا غنى لكل منهما عن الآخر. إن الإنسان جسد وروح، وشهوة وعقل، والصراع دائم بين الفريقين؛ الجسد والشهوة معاً، والروح والعقل معاً، وعندما تشبع البطن تتحرك الشهوة، ومن خلت البطن يهدأ الجسد وتنطلق الروح وتنمو وتنشط، ففي الصيام حلاوة لا يدركها إلا من صام من أجل الله بصدق، ولا يعرفها إلا الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، وهذه هي "الروحانية العجيبة" التي نحياها في رمضان، روحانية صائم؛ بذرها بالجوع وسقاها بالدموع وقواها بالركوع وحسنها الخشوع والخضوع، روحانية؛ فيها السعادة واللذة والأفراح والأشواق مما لا يبثه لسان ولا يصفه بيان، وفيها الأرواح تهتز وترتاح وتطير بغير جناح، فهي في أفراح وأفراح. إنها روحانية تخلصت من أسر الهوى والشهوة وحيل النفس والشيطان، فتعالوا نعيد حساباتنا، ونرتب أوراقنا، وهذا هو محور قضيتنا اليومية طوال الشهر الكريم.