من أسوان الخلابة، المشعة بهاءً وجمالًا يسحر الألباب، انطلق صوت الأمل الأفريقي - العربي قويًا مدويًا، من خلال ملتقى الشباب العربي والأفريقي، الذى احتضتنه المدينة على مدى يومين، كانت مصر خلالهما محط أنظار وآمال جميع من شارك من المصريين والعرب والأفارقة. المشاركون الأفارقة كانوا الأكثر حيوية وتعبيرًا عن توقعاتهم وتطلعاتهم الإيجابية المتزايدة، حيال حاضر ومستقبل أفريقيا، في ظل تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئاسة الاتحاد الأفريقي لمدة عام، وأن يستفيدوا قدر طاقتهم من الخبرات المتراكمة والمتعاظمة من تجارب النجاح المصرية الاقتصادية والمالية والصحية، وفي مواجهة الإرهاب والتطرف ودحرهما، وأن تتحقق آمالهم العريضة في تعظيم الاستفادة من الخيرات والثروات الأفريقية؛ بحيث تعود بالنفع والنماء على دول القارة، التي لا يحصد الكثير منها سوى الفتات من عوائدها التي يحتكرها الغرب والولايات المتحدة، وتسهم في دعم اقتصادهما. تلك الأماني جعلت الشباب الأفريقي المشارك يرفعون - في جلسات الملتقى ومداخلاتهم وحواراتهم الجانبية - شعار "لقد حان وقت أفريقيا"، فهم يستبشرون خيرًا لبلادهم والبلاد العربية في معية مصر، ومنحها مساحات أكبر لقوتها الفتية ممثلة في شبابها. وهذا الجانب على وجه الخصوص هو مربط الفرس ومحور الارتكاز؛ لأن الشباب يشكلون عمليًا غالبية سكان البلدان الأفريقية، ويتمنون أن تكون العقول المتميزة في صدارة المشهد، وليست متوارية أو قابعة في منطقة الظل بدون أن تجد مَنْ يأخذ بيدها للأمام، وأن تحظى دائمًا بالتقدير والحفاوة اللائقين؛ نظرًا لقدرتها على الخروج بتصورات وحلول عملية للمشكلات والهموم التي تثقل كاهل الأمة المصرية والأمتين العربية والأفريقية. وحلول تلك العقول النيرة النابهة ستكون مدفوعة بالمصلحة الوطنية ولا شيء غيرها, وليست مصحوبة بإملاءات واشتراطات بعينها، مثلما يحدث في الحلول القادمة من الغرب والولايات المتحدة لأزمات الدول والأقاليم. لذلك دعا الرئيس السيسي وبصورة واضحة، لدى مشاركته في بعض ورش عمل الملتقى، إلى بذل كل جهد ممكن لإعطاء الفرص المستحقة للعقول المتميزة لقيادة مصر، وطالب حكومة المهندس مصطفى مدبولي بالعمل على تحقيق هذا الهدف، وحرص الرئيس السيسي على إبراز عطاء وجهد شبابنا الواعد ليكونوا قدوة حسنة يحتذي بها الآخرون، ومنهم الشاب هيثم صلاح لدوره في "مبادرة 100 مليون صحة"، ومعه مجموعة الشباب المسئولين عن منتدى شباب العالم، الذي بات تجربة رائدة ورائعة في بناء النجاح والمحافظة عليه، ليس فقط عبر تنظيمه سنويًا، لكن في فتحه قنوات اتصال وتعاون مع جهات دولية وإقليمية، وأن يكون منصة تتعزز من خلالها آليات الحوار والتفاهم بين الشعوب والأديان ويشتد ساعده مع مضي الوقت. ونحسب أن العالم يحتاج وبشدة اليوم قبل الغد لتعزيز التحاور وإزالة العوامل المحفزة والمشجعة على إنكار الآخر والتعايش معه؛ لاختلافه دينيًا وثقافيًا عن السائد بالمجتمع الذي يعيش فيه، مثلما رأينا في مذبحة نيوزيلندا التي هزت وجدان ومشاعر كل إنسان على كوكب الأرض. فالقاتل تجرد من إنسانيته، ومن خصال التسامح والوئام التي تحض عليها الأديان السماوية، ومعها الديانات الوضعية، وحركته نوازع الكراهية والانتقام من أناس كل ذنبهم في الحياة أنهم دخلوا لمكان عبادة يتقربون فيه للمولى سبحانه وتعالى، دون أن يشكلوا خطرًا على أحد في محيطهم الاجتماعي. ومن جهتي أرى أن اللقاءات الدورية، مثل منتدى شباب العالم، وملتقى الشباب العربي والأفريقي وغيرهما، تقدم خدمة جليلة للساعين إلى مجابهة التطرف والإرهاب، وألا تُلصق تهمة الإرهاب بدين بعينه؛ فالدين لا يمكن أن يكون حاضنًا ولا مشجعًا على الإرهاب، وإلغاء الآخر والانتقاص من شأنه وقدره؛ لأن الكون يُقوم على الاختلاف، وأن المجتمعات الغربية والشرقية تتسع للجميع، مادام الموجودون فيها يراعون بعضهم بعضًا، ويقومون بواجباتهم والتزاماتهم، ويحترمون القوانين والثوابت والأعراف المؤسسة لهذه المجتمعات، دون زيادة أو نقصان، أو سعي لتغييرها وفقًا لخيالات وأوهام جماعات متطرفة؛ سواء كانت إسلامية، أو مسيحية، أو يهودية. وختامًا فإن ملتقى الشباب العربي والأفريقي شكل نقطة انطلاق جديدة للعلاقات العربية - الأفريقية اعتمادًا على رؤية واقعية وشاملة، طرحها الرئيس السيسي، وتلخصت في ثلاثة محاور أساسية، هي: أولًا: إقامة سوق عربية -أفريقية مشتركة، أو مؤسسة تمويل عربية أفريقية؛ بتكلفة مالية محددة لعمل مشروعات للبنية التحتية. ثانيًا: وضع آلية عربية أفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب، ويجدر بنا الإشارة هنا إلى ملاحظة مهمة تحدث عنها الرئيس السيسي، وتتمثل في أن معظم المنخرطين في الجماعات الإرهابية يوجدون في القارة السمراء، وتجري عملية استقطاب واسعة النطاق لمواطني أفريقيا؛ للانخراط في تلك الجماعات مستغلين ضيق ذات اليد، ونسبة البطالة العالية، وضعف المستوى التعليمي لبعضهم، وعدم إلمامهم بالدين إلمامًا جيدًا، ومعاناة المجتمعات الأفريقية من استشراء الفساد الذى يُمكن بعض الفئات من الثراء الفاحش، بينما تعاني الغالبية العظمي من المواطنين من الفقر وقلة الدخل. ثالثًا: صياغة ورقة جادة للحوار بين الدول العربية والأفريقية؛ لطرحها خلال القمة العربية - الأفريقية المقرر عقدها في الرياض. لقد وضعت مصر إمكاناتها وأفكارها الخلاقة تحت تصرف القارة السمراء المقبلة على مصر التي أبدت ودللت بطرق عملية عديدة على اهتمامها واكتراثها بالقارة ومستقبلها وآخرها ملتقى الشباب العربي والأفريقي.