فقدت مصر اليوم فنان الكاريكاتير الكبير أحمد حجازي عن عمر يناهز 75 عاما الذي كانت رسوما الكاريكاتيرية عنوانا لمرحلة مهمة في تاريخ مصر امتدت منذ نهاية الخمسينيات وحتى ابتعاده عن صخب العاصمة واعتزاله العمل الصحفي والتفرغ لرسوم الاطفال في قريته بطنطاالتي سيشيع منها. ولد الفنان أحمد إبراهيم حجازي في مدينة الإسكندرية عام 1936 من أب ريفي يعمل سائقا للقطار، وعاش بداياته الأولى في مدينة طنطا، فتفتح وعيه على الحياة من خلال والده الذي يقول عنه في محبة خالصة "كان صامتا مثلي، لكنه كان أحيانا ما يحدثني عن الأوضاع في عمله، وكيف أنهم عاقبوه ذات يوم لأنه تأخر عن دخول المحطة بقطاره دقيقتين". وعرف حجازي من خلال رسومات "تنابلة السلطان" والشخصيات الصغيرة المنسحقة التي يرسمها ويسخر من أوضاعها كصورة من صور الاحتجاج، ولمعت أعماله في مدرسة روزاليوسف التي كان الكاتب الراحل كامل زهير يسميها مدرسة الهواء الطلق، إذ جاور الفنانين الكبار صلاح جاهين وبهجت عثمان وصلاح الليثي وجوروج البهجوري ورجائي ونيس ونبيل السلمي وتميزت ريشته بين كل هؤلاء الكبار وجاورت كذلك كتابات متميزة ليوسف إدريس وصلاح عبدالصبور وفتحي غانم وإحسان عبد القدوس وأحمد عبد المعطي حجازي وهي المجموعة التي أسماها بهجت عثمان "الجناج المدني" لثورة يوليو 1952 في إشارة إلى ارتباطها بالمشروع القومي الذي بشرت به الناصرية. والتحق حجازي بكلية الفنون الجميلة إلى أن رشحه الكاتب الراحل الكبير أحمد بهاء الدين للعمل ضمن الكتيبة المؤسسة لمجلة "صباح الخير" التي رفعت شعارها الشهير مجلة القلوب الشابة والعقول المتحررة "وظل يرسم يها ويقدم أعماله لصحف المعارضة المصرية إلى أن قرر التفرغ لرسومات الأطفال في فعل من أفعال الاحتجاج على ما آلت إليه الأوضاع في مصر وهو فعل شارك فيها أخرون من بينهم بهجت عثمان ومحيي الدين اللباد الذي أعطى بشكل لافت في مجال تصميم الكتب. وتميزت أعمال حجازي عن بقية زملائه من فناني "روز اليوسف الكبار" بالانتقادات اللاذعة مخالفا، بذلك فكرة الكاريكاتير والتى كانت تقوم على المبالغة في إضحاك الناس، فقد كان يعتقد أن المبالغة في الاضحاك تنهي موضوع الكاريكاتير وتحوله إلى نكتة وليس لوجهة نظر. وحسب نقاد الكاريكاتير "تتميز خطوط حجازي بانسيابية كبيرة وتناسق بديع في الألوان، واعتمد في مدرسته الجديدة التي أسسها وسار على دربها كثيرون على فكرة الواقع المعكوس، التي كانت تنطلق من رصد الواقع كما هو من دون تدخل، استنادًا على ما ينطوي عليه هذا الواقع من مفارقات مضحكة للغاية مما جعل رسومه موجهة أيضا للأطفال، حيث كانت شخصياته الكرتونية في القصص المصورة الأكثر تأثيرًا في الأطفال على المستوى العربي "وظل يرسم في مجلة ماجد الإماراتية منذ صدورها وحتى أيامه الأخيرة ونال منها جائزة الصحافة العربية في دوراتها الأولى وطوال حياته رفض التقدم لأية مسابقة أو جائزة مكتفيا بالتواصل من أصدقائه وتلاميذه من مختلف الأجيال، كما كان عزوفا عن التعامل مع وسائل الإعلام بمختلف أنواعها. وقيل إن اعتزاله هذا بسبب الإحباط أو اليأس من التغيير، وقيل أيضا إن خجل الفنان الطبيعي تغلب عليه، لكن، رغم اعتزاله، فإن الكاريكاتير الذي أبدعه خلال خمسين عاما لا يستقيل ولا يعتزل. وكانت أعماله موضوعا لدراسات أكاديمية كثيرة إذ يحتل موقعا متميزا في تاريخ الكاريكاتير المصري وكذلك الرسم الصحفي. وكرس له الناقد والشاعر محمد بغدادي كتابا توثيقيا عن أعماله صدر بعنوان "فنان الحارة المصرية " ويرى كثيرون أن اعماله تمثل ذروة انتاج جيله من حيث قدرتها على التعامل مع الفكرة ببساطة وبخطوط غاية في الاختزال وقد اعتبر الراحل بهجت عثمانفي كتابه " رفاق سلاح " ان حجازي هو البساطة المذهلة سواء في الرسم أو الفكرة ، كما كانت خطوطه تدق باب القلب قبل ان تقدم فكرة أقرب الى اللؤلؤة في قالبها الساخر.