تفاءلوا بالخير تجدوه، كما دعانا الرسول الكريم، ومع توديع 2018 واستقبال العام الجديد، ثمة فرص حقيقية للاستفادة من تلك التطورات الإيجابية التى تحققت على صعيد الإصلاحات الاقتصادية لا سيما فيما يتعلق بالإصلاح النقدى والمالى، استكمال الإصلاح الهيكلى هو الأصعب ولكنه الأهم حتى تجنى القطاعات الاقتصادية الأساسية الإنتاجية ثمار ما تحقق، ومن أجل ألا تضيع تكلفة وأعباء الإصلاحات دون مردود اقتصادى يعزز التنمية المستدامة. ما تحقق من تحسن فى مؤشرات الاقتصاد الكلى لم يكن سهلا، معدل النمو الاقتصادى قفز لأعلى مستوى له منذ عشر سنوات ليسجل 5.3% وهو الأعلى على مستوى الدول العربية وشمال إفريقيا، كما أن معدل البطالة تراجع إلى ما دون 10% ليسجل 9.9% وهو الأفضل منذ 2010 انخفاضا من 12.6% عام 2014، كما تراجع عجز الموازنة العامة إلى 9.8% وقد تم تحقيق فائض أولى بنحو 0.2% لأول مرة منذ سنوات طويلة بمبلغ 4 مليارات جنيه، كما حقق ميزان المدفوعات فائضا بنحو 12.8 مليار دولار خلال العام المالى الماضى 2017/2018 فى الوقت الذى تراجع فيه عجز الحساب الجارى إلى 8.4 مليار دولار مقابل 14.4 مليار دولار فى العام المالى السابق عليه بتراجع 6 مليارات دولار، وانعكس ذلك على إعادة تكوين الاحتياطى الأجنبى ليسجل أعلى مستوى له ليتجاوز 44.5 مليار دولار بما يغطى واردات نحو 9 أشهر، كما استقر سعر الصرف على مدى عامين مقارنة بانخفاض –إن لم يكن- تدهور بعض عملات الاقتصادات الناشئة لا سيما الأرجنتين وتركيا وجنوب إفريقيا. التحسن فى مؤشرات الأداء الاقتصادى استمر فى الربع الأول من العام المالى الحالى، حيث حافظ معدل النمو على معدلاته، كما تراجعت نسبة العجز الكلى فى الموازنة العامة لتسجل 1.9% من الناتج المحلى الإجمالى، مقارنة بنحو 2.3% متوسط العجز فى السنوات الثلاث الماضية، وهو ما يمثل رسالة طمأنة فى تحقيق الفائض الأولى المستهدف 2% من الناتج المحلى الإجمالى، المؤشر المهم هو أن معدل نمو الإيرادات العامة فاق معدل المصروفات مقارنة بالفترة نفسها من العام المالى حيث بلغ نمو الإيرادات 35.2% و28.9% للمصروفات. المؤشر الجيد الذى يمثل رسالة إيجابية هو أن الاستثمار والصادرات أصبحت تقود النمو الاقتصادى ولم يعد يعتمد على الاستهلاك المحلى فحسب، حيث سجلت الصادرات غير البترولية نموا بنحو 11%، من المتوقع أن يرتفع إلى 24.5 مليار دولار بنهاية العام، ومن الواجب الإشارة إلى أن هذه الزيادة لا تزال ضعيفة مقارنة بانخفاض الجنيه بعد تحرير سعر الصرف، ما يعكس الحاجة الضرورية لاستكمال الإصلاح الهيكلى من أجل رفع تنافسية المنتج المحلى والتوجه التصديرى والنفاذ للأسواق الخارجية. فى المقابل ثمة تحديات وصعوبات خلال العام المقبل، تتطلب اتخاذ الإجراءات والاستعدادات الكافية، ربما فى مقدمتها انعكاسات التطورات الاقتصادية العالمية، والتى تغذى حالة عدم اليقين التى تسيطر على الأسواق، وسط توقعات المؤسسات الدولية باحتمالات حدوث أزمة مالية عالمية جديدة تفوق فى حدتها وتداعياتها على الاقتصاد العالمى أزمة 2008، التى يرى البعض أن الاقتصاد العالمى لم يتجاوزها بالكامل، وأن آثارها لا تزال كامنة وأن الحرب التجارية العالمية التى يقودها الرئيس الأمريكى سوف تشعلها، يأتى ذلك وسط خفض المؤسسات الدولية توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمى. التحدى الثانى يتعلق بإعادة هيكلة الصناديق الدولية محافظها بسبب أزمة الأسواق الناشئة ورفع الاحتياطى الأمريكى الفائدة على الدولار -4 مرات خلال 2018- لتصل إلى 2.5% وتوقع استمرار التوجه لرفع الفائدة 3 مرات خلال العام المقبل بدلا من 4 مرات، وهو ما يمثل تحديا ليس بالسهل على السياسة النقدية للبنك المركزى المصرى، واستقرار سعر الصرف، وسط ضغوط من أجل خفض الفائدة لحفز الاستثمار، لا سيما مع توقع استمرار سحب الصناديق العالمية لاستثماراتها فى الأوراق المالية. يبقى التأكيد على أهمية استكمال الإصلاح الاقتصادى والمضى قدما فى تحرير أسعار الطاقة من خلال الخفض التدريجى للدعم على الوقود والكهرباء، مع الإصلاح الهيكلى وإعطاء أولوية للاستثمار فى الصناعة والزراعة والقطاعات الأساسية التى تدعم توفير فرص العمل والتنمية المستدامة وتسهم فى زيادة الصادرات بما يعالج الخلل فى العجز المزمن فى الميزان التجارى.