دخلت افريقيا الوسطى التي تعصف بها المواجهات بين المجموعات المسلحة منذ 2013، في دوامة جديدة من أعمال العنف منذ بضعة الشهر مما اثر على عملية اعادة الاعمار البطيئة والصعبة والتي بالكاد بدأت. ويقول وزير الداخلية المعين اخيرا هنري وانزت-لينغيسارا في بانجي إن "الورشة كبيرة، لكني متفائل". ومنذ 2013 واطاحة الرئيس فرنسوا بوزيزي، جرت محاولات كثيرة لاخراج البلاد من الأزمة، من تدخل فرنسا (عملية سانغاريس في 2013-2016)، والاممالمتحدة (بعثة قوامها 12 الفا و500 رجل منذ 2014)، وعدد كبير من القمم والمنتديات والوساطات الدولية... لكن من الواضح عشية زيارة الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش في 24 اكتوبر، ان افريقيا الوسطى لم تتعاف. فالدولة تواجه صعوبة في إرساء سلطتها خارج ضواحي العاصمة بانغي والقتلى المدنيون الذين بلغ عددهم مئات منذ بداية السنة، يتراكمون باستمرار في انحاء البلاد. وتشهد المحافظات منذ مايو اعمال عنف، في الجنوب الشرقي والوسط والشمال الغربي خصوصا. وقال اداما دينج، المستشار الخاص للأمم المتحدة لتدارك الابادة "يجب الا نتنكر للواقع، فالوضع بالغ الخطورة". وقد أتى دينج الى جمهورية افريقيا الوسطى للتحقيق حول "مؤشرات تسبق" الابادة التي تحدث عنها مسئول كبير في الاممالمتحدة اواخر اغسطس. إلا ان انتخاب فوستين-ارشانج تواديرا في 2016، بعد رئاسة انتقالية سبقت الازمة في 2013، اثار موجة من الامل والتفاؤل. فقد شكل الانتخاب الذي دعمته الاممالمتحدةوفرنسا، انطلاقة جديدة ترافقت مع شعار تأمين العدالة لمحاكمة مرتكبي الجرائم المرتكبة واستعادة سلطة الدولة. اعتبر دبلوماسي غربي بعد سنة ان "الفشل مدو". وقد تبنى الرئيس تواديرا الذي يتهمه بالسلبية عدد كبير من النقاد، استراتيجية الاحتواء الشامل، مع انها لا ترضي أحدا. وفي منتصف سبتمبر، ضم ممثلين عن ابرز المجموعات المسلحة الى الحكومة، على رغم رغبته التي عبر عنها مرارا ب "إحقاق العدالة". وقال عضو آخر في الحكومة طالبا عدم كشف اسمه "هذا هو الثمن الذي يتعين دفعه من اجل السلام". هذا "الانفتاح" على المجموعات المسلحة، شكل حالة من الذهول في بانغي. وقالت ناتالي دوكان الباحثة في مؤسسة "ثينك-ثانك ايناف بروجكت" انه "رسالة خطرة بأن العنف يمكن أن يكافأ". وهذه المجموعات المسلحة التي أحصي منها خمس عشرة، تقاتل بلا هوادة من اجل السيطرة على الموارد الطبيعية والحصول على حصة في السلطة السياسية. والمعارضة بين تحالف سيليكا السابق المؤيد للإسلام والمليشيات المعارصة لبالاكا -- التي تدعي الدفاع عن المسيحيين -- الموروثة من أزمة 2013، لم تعد قائمة فعليا. فهناك مسيون يحاربون اليوم الى جانب مسلمين في بعض انحاء البلاد، وبعض قادة انتي-بالاكا مسلمون. ووافق بعض المجموعات المسلحة على برنامج الاممالمتحدة لنزع السلاح والتسريح واعادة الإدماج، الذي يعتبر الاستراتيجية الضرورية للخروج من الأزمة، لكن البرنامج الذي انطلق في سبتمبر، بالكاد يعمل وما زال هشا. وفي عدد كبير من المدن، على رغم حضور قوات الاممالمتحدة، ما زال شبان يحتفظون بمنجل تحت مقعد دراجاتهم النارية، عندما لا يحتفظون ببندقية كالاشنيكوف. وتساءل تييري احد هؤلاء الشبان "قتلوا أبي وأمي وأخي. كيف تريد مني ان استعيد حياتي السابقة؟". وفي مجتمع يواجه انقساما عنيفا، تسعى بانجي بدعم من المجموعة الدولية، الى استعادة ركائزها السياسية التي يفترض ان تكون منارات وسط الإضطراب الأمني. وتقوم اوروبا وفرنسا بتدريب الجيش الوطني وأنشئت محكمة جزاء خاصة لمحاكمة الجرائم المرتكبة في البلاد منذ 2003. لكن جنود افريقيا الوسطى المدربين، ما زالت لا تتوافر لديهم الا كميات قليلة من الاسلحة بسبب الحظر الذي فرضته الاممالمتحدة في 2013، ولم تباشر محكمة الجزاء اعمالها بعد. وقال مسئول عن منظمة غير حكومية في افريقيا الوسطى "هذا بلد يعيش على المساعدة الدولية". وتبذل هذه المنظمات غير الحكومية قصارى جهدها لتخفيف معاناة الناس، لكنها هي ايضا تستهدف من قبل المحاربين. وقال جوزف اينغانجي مدير مكتب الاممالمتحدة للشئون الانسانية في افريقيا الوسطى، ان "مزيدا من المناطق تحتاج الى المساعدة الانسانية، لكننا لا نستطيع ان نساعدها بسبب الوضع الامني". وحتى اواخر تشرين اكتوبر، دفع ثلاثون بالمائة فقط من الأموال المطلوبة للمساعدة الانسانية. ونظرا الى غياب الدولة، تشهد حدود افريقيا الوسطى، اكثر من اي وقت مضى، عمليات تسلل وتهريب كل انواع البضائع: اسلحة مع جمهوريتي الكونغو الديموقراطية وجمهورية الكونغو والسودان، والماشية مع تشاد، والماس مع الكاميرون.