المعضلة التي نسعي الي تفكيكها هي الفصل بين سلامة مقاصد الشباب الذين فجروا ثورات الربيع العربي, والتدخلات الاجنبية التي ادت بخروج هذا الربيع عن مساره, والوقوع في افخاخ الفوضي بل التقسيم والاقتتال الداخلي كما نري حولنا في اكثر من مكان. وحتي تكون المواقف محددة فإن قناعتنا ثابتة بتوافر مبررات موضوعية وراء انتفاضة الشباب في25 يناير ضد الركود السياسي والجمود الاقتصادي وضعف برامج التنمية والتطور الاجتماعي, وكذلك كان حال الشعوب العربية التي ثارت ضد نظم استمرأت السلطة سنوات طويلة دون فاعلية وبلا أي انجازات تذكر علي صعيد تنمية شعوبها ومنحها ما تستحقه من حياة كريمة, وهكذا كان ميلاد ما يسمي بالربيع العربي في عام2011, الذي مازالت فعالياته مستمرة حتي الان.. وربما لسنوات قادمة. المشكلة التي تحير الكثيرين, وفي مقدمتهم الاطهار من الشباب الثوار الذين اندفعوا بتلقائية الي الشوارع والميادين يطالبون بالتغيير, ان النتائج جاءت في معظمها مغايرة لاحلام الناس في العيش والحرية والعدالة والكرامة الانسانية, وبدلا من ذلك وجدنا انفسنا في صعوبات اقتصادية خانقة, ووجد اخرون انفسهم في بوتقة حروب اهلية مجنونة باتت تهدد كيانات الدول نفسها.. والمشهد حولنا واضح ولا يخفي علي الجميع.. ومع تدهور الاوضاع في دول الربيع العربي ظهرت اصوات تحمل اطرافا خارجية مسئولية سرقة الثورات وتحويل الاهداف المشروعة لانتفاضة الشعوب الي مؤامرة تستهدف الشعوب نفسها عبر زرع الانقسام والفتن الطائفية وغير الطائفية بدعوي دعم' الديمقراطية'. منذ الايام الاولي للثورات العربية ظهرت اصوات تحذر من استغلال قوي اجنبية ومحلية انتفاضة الشباب في تحقيق مآرب واهداف تخالف المبادئ النزيهة للثورة, غير ان اجواء الحماسة والفرحة بالتخلص من انظمة مستبدة وفاشلة استبدت بمشاعر الناس وألهتهم عن الاهتمام بهذه الاشارات التي فسرت وقتها علي انها اصوات معادية للثورة و'صيحات فلول'. اليوم وبعد مرور42 شهرا علي انفجار الربيع العربي جرت فيها احداث جسام وسالت فيها دماء كثيرة وهددت اوطانا من داخلها, وبات الناس حياري بين نبل الدوافع التي حركت الثوار وحجم المآسي التي وقعت علي الارض دون ان يتحقق أي من اهداف الثورة.. حتي الان. كان طبيعيا وقد بلغ الامر ما بلغه ان نفتح من جديد ملف التدخلات الاجنبية في احداث الربيع العربي, وللملف اوجه كثيرة ما يهمنا منها هو ما يتعلق بأثر التمويل الاجنبي المخصص لدعم' الديمقراطية', وقد عرفنا ان الشبهات قد حامت حول هذه التمويلات في مصر الي الحد الذي يشكل جرائم جري نظرها امام المحاكم التي اصدرت فيها احكاما شغلت الرأي العام في الداخل والخارج خلال العام الماضي, اما في بقية دول الربيع العربي فإن الاهتمام بالقضية اقتصر علي النقاش العام ولم يتبلور في قضايا جنائية تنظر امام المحاكم, ربما لعدم نضج الانظمة التي جاءت بعد هذه الثورات او لصعوبة الاحوال في هذه الدول, وبعضها اخذ يفتقد السلطة المركزية بفعل التطاحن والانقسام. والسؤال البريء الذي نطرحه, وبالمعايير الاقتصادية, ما هو العائد علي الاموال التي انفقت علي دعم الديمقراطية والمجتمع المدني خلال السنوات العشر الماضية والتي تقدر بمليارات الدولارات, وهل حققت هذه التمويلات اغراضها المعلنة في دعم الديمقراطية وتطوير الاداء السياسي وحياة الشعوب, ام ان هذه الاموال فشلت في تحقيق الاهداف التي انفقت من اجلها؟, او ان هذه الاموال لم تفشل في تحقيق العائد من انفاقها لأن الاهداف الحقيقية لهذه التمويلات لم تكن تطابق الاهداف المعلنة' وهذا هو السيناريو المرعب'!. الاكيد ان لكل استثمار عائدا, وقد اعلن المانحون الاجانب انهم ظلوا يستثمرون اكثر من10 سنوات في دعم الديمقراطية في مصر والشرق الاوسط, وجاءت النتائج علي نحو ما نراه الان. واذا كان من المفهوم ان يلقي' المستثمرون' باللوم علي شعوبنا فيما وصلنا اليه فإن من حقنا ايضا البحث عن اسباب اخري ادت الي انحراف مسارات الربيع العربي عن الوجهة التي ارادتها الشعوب.. وهذا ما سعينا الي رصده في ملف استثنائي سوف تطالعه علي صفحات هذا العدد.