تؤثر السياسة بقوة في الاقتصاد في المقابل تتغير سياسات دول نظرا لتغير الاوضاع الاقتصادية, وهذا ما يؤرق الكثيرين في مصر هل تتغير الاتجاهات الاقتصادية العالمية نظرا لتغير البوصلة السياسة الداعمة لنظام الاخوان؟ وهل يؤثر ذلك علي التجارة وتحقيق التنوع في مصر في المرحلة القادمة؟ وما هي محددات الموقف المستقبلي للاقتصاد؟ خاصة ان هناك رؤي كثيرة تطالب بتغيير الخريطة الاقتصادية وأن تتجه لدول اخري اكثر من مصدر وتبقي الحقيقة ان من يتعامل تجاريا مع مصر هو المستفيد الأول. هذه الحالة من النقاش المستمر حول الاقتصاد ومدي ارتباطه بالسياسة جعلت وزير التموين محمد ابوشادي يعلن ان وزارته أمنت احتياجات مصر من القمح في الفترة القادمة من مصادر مختلفة بسبب الحديث عن الخوف من قيام أمريكا بوقف توريد القمح وما قد يسببه من نقص حاد في الاحتياجات الاستهلاكية. هذه الدول تبحث عن مصالحها في الاساس كما يقول فؤاد ثابت رئيس اتحاد جمعيات التغيير الاقتصادي موضحا ان تركيا وحدها علي سبيل المثال تخسر كثيرا اذا قطعت العلاقات الاقتصادية بينها وبين مصر, واذا نظرنا إلي قطاع المنسوجات سنجد انه سوق مفتوح امامنا وبأسعار ارخص مثل باكستان والهند, مضيفا ان الحديث عن المقاطعة الاقتصادية لمصر غير وارد وعلي مصر ان تستبعد هذا الخيار من حديثها السياسي لان هذه العلاقات توفر فرص عمل, وعلينا ان نقاوم هذا الفكر باساليب اخري مثل البحث عن المسؤلية الاجتماعية للشركات المصرية تجاه توفير فرص عمل جديدة وفتح فروع لشركات هذ القطاع وتنمية موارده, ويشير ثابت الي اهمية ان نعرف ان معظم دول الاتحاد الاوروبي تستورد من مصر المواد الخام وتستفيد بها وتربح منها ارباحا مضاعفة مثل الرمال التي تستخدم في الزجاج والصناعات المتعلقة به واعادة تصديره لدول كثيرة منها مصر وكذلك الالومنيوم الذي يستخدم في صناعة الطائرات التي ترسلها امريكا لمصر عبر المعونة الامريكية التي هددت في غمار الاحداث الحالية بقطعها عن مصر اغلب دول الاتحاد الاوروبي تستورد تلك الخامات الهامة لها في الصناعة وتعيد تصديرها لمصر بعد التصنيع وهو امر يجعلنا نكتشف بوضوح من المستفيد وبالتالي من صاحب الاستحقاق الاكبر في العلاقات الاقتصادية المصرية الغربية. يتفق دكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادي في هذه الرؤية معلقا علي المشهد بأنه يوجد فصل كبير بين الوضع السياسي والاقتصادي وحتي ان لم يكن هناك فصل بين الاثنين فإن اللهجة السياسية خفت حدتها كثيرا واصبح الحديث حاليا عن المضي قدما علي طريق الديمقرايطة بعد ان خاب ظن هذه الدول في جماعة الاخوان المسلمين, وبشيء اكثر تفصيلا قال د. عبده ان الاستثمارات في العالم كله تنقسم الي جزأين حكومي وخاص وبالنسبة للاول فهو يقتصر علي حدود الدولة وتنمية مشروعاتها ومشاركة في المشروعات الكبري للدول اما القطاع الخاص فهو قطاع لا يعنيه سوي ارباحه فقط ومصر سوق واعد به كثافة سكانية عالية85 مليونا وقوة شرائية ليست ضعيفة واستهلاك كبير لان مصر ليست دولة معدومة او فقيرة اذن فالسوق ملائم للقطاع الخاص الغربي وبلا جهد كبير هو يضمن تحقيق عوائد مرتفعة علي استثماراته بشرط تحقيق الامن لان الامن شرط وضعه الاشقاء العرب فعندما جاء الوفد الاماراتي لزيارة مصر كان الامن احد اهم مطالبه من الحكومة وبالتالي فإن الاقتصاد المصري الذي يعاني الان يمكنه ان يتعافي سريعا فقط بتوفير الامن للمستثمر المحلي والاجنبي معا, واضاف د. رشاد ان انه علي الحكومة المصرية تنويع مصادر التجارة الخارجية وفتح اسواق جديدة تكون بديلة لنا وتزيد قوة الاقتصاد من جهة وارباحه من جهة اخري ولدينا اسواق كثيرة يمكننا التعامل معها مثل روسيا والصين والهند وغيرها فالذكاء يتطلب هذا التنوع, مع توفير بيئة اكثر استقرارا للمستثمر من خلال القضاء علي الروتين والبيروقيراطية والفساد وبهذه المنظومة نصل الي وضع اقتصادي مهاجم وليس مدافعا. البحث عن اسواق جديدة يفقدنا مزايا تنافسية نتمتع بها هذا ما اكده الدكتور عبدالمطلب عبد الحميد عميد اكاديمية السادات السابق, موضحا ان الصين والهند علي سبيل المثالي تنافس مصر في الصناعات النسيجية بل وللحق تتفوق كثيرا علينا اذن فتح اسواق هناك امر غير مجد ولو بالشكل الذي يمثل بديلا عن الدول الكبري في اوروبا وامريكا, واضاف ان الاتحاد الاوروبي او امريكا لم يلوحا حتي الان علي الأقل بقطع العلاقات الاقتصادية او تأثرها بالاحداث في مصر هذا بالاضافة الي ان هذه الدول مرتبطة بشكل وثيق بالمواطن المستهلك لبضائع اعتاد عليها ولا يمكن لحكومته ان تقاطع هذه البضائع, اضف ايضا الي ذلك حسب كلام د. عبد المطلب ان الاقتصاد والارباح ليس لهما وطن ووطنهما الحقيقي في المكاسب التي تحققها, مؤكدا انهم مستفيدون من مصر اقتصاديا, ضاربا مثلا عندما فرضت امريكا عقوبات اقتصادية علي ليبيا وقتها الشركات الامريكية لم تلتزم بالحظر وخالفت قرارات الحظر لان مصالحها كانت في الاستثمار هناك وكان من يخالف يدفع غرامة وكانوا يدفعونها نظرا لان الاستفادة اكبر من الغرامات, وكشف عن ان استبدال الاسواق يأخذ وقتا وجهدا كبيرا ويحتاج منا الي سنوات طويلة ولن يحدث بين يوم وليلة ولكن يمكننا تنويع مصادر الاستيراد مثلا في السلع الاساسية مثل القمح لانه سلعة أساسية تحتاج الي ضمان وجود مخزون كاف منها, اما باقي الصادرات والواردات فما يحكمنا في علاقتنا بالدول هو منطق المنفعة وليس غيره ولن يتجهوا نحو مقاطعة مصر لانها موضة قديمة وانتهت, المصالح اكبر ومصر تتخطي الان مشاكل كثيرة وتتجه نحو الافضل, خاصة ان الملف السياسي الان اتجه نحو سوريا بعد مصر وهذا يدلل ان مصر لن تكون في معرض الحديث عن الاقتصاد والمقاطعة الاقتصادية. فضل اسامة عبدالخالق استاذ الاقتصاد الحديث عن تركيا خاصة لانها الاقرب لفكر المقاطعة موضحا انه من الصعب أن تغامر الحكومة الانتقالية برئاسة الببلاوي بالدخول في مواجهة اقتصادية مع تركيا في ظل المشكلات الاقتصادية التي تعانيها البلاد, وبالتالي لن تقدم علي خطوة تصفية الاستثمارات التركية في مصر, أو حتي استبدالها بأخري من دول خليجية أو غربية, فمصر بحاجة شديدة أصلا لاستقدام استثمارات أجنبية جديدة بغض النظر عن وجهتها من أجل استرجاع معدلات النمو الاقتصادي الذي تراجع منذ الأزمة المالية العالمية في العام2008, وفي أعقاب ثورة25 يناير2011 لتصل إلي2.8%. واضاف انه من الضروري أن ننظر إلي العلاقات الاقتصادية المصرية التركية في إطارها الإستراتيجي, وليس فقط من خلال أرقام لحجم التبادل التجاري أو استثمارات بينية, فمصر وتركيا كانتا لبنة في محور اقتصادي وسياسي إقليمي كان من شأنه أن يؤسس لعلاقات إقليمية ودولية جديدة ومن هنا يجب تقييم الموقف, فإذا أدي مستقبل العلاقة بين البلدين لاستمرار هذا المحور فسوف يجني الطرفان ثماره الإيجابية, أما إذا حدث السيناريو الآخر- لا قدر الله- فإن المستقبل الإقليمي لقوتين كمصر وتركيا ستعرف خسارة فادحة, لا تعوضها حركة التجارة ولا الاستثماروفي هذه الحالة ستكون مصر أمام استبدال تجارتها مع تركيا بالتوجه نحو دول أخري, خاصة أن السلع التركية التي تستوردها مصر يمكن بسهولة استجلابها من دول أخري. وتبقي وفق آليات هذا السيناريو هناك معضلة الاستثمارات التركية في مصر, خاصة أن التصرف بشأن50 ألف عامل ليست بالعملية السهلة في ظل ظروف مصر الاقتصادية الحالية, واضاف انه من الصعب أن تغامر الحكومة الانتقالية برئاسة الببلاوي بالدخول في مواجهة اقتصادية مع تركيا في ظل المشكلات الاقتصادية التي تعانيها البلاد, وبالتالي لن تقدم علي خطوة تصفية الاستثمارات التركية في مصر, أو حتي استبدالها بأخري من دول خليجية أو غربية, فمصر بحاجة شديدة لها من أجل استرجاع معدلات النمو. ومن جانبه قال أحمد الوكيل, رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية, الشراكة التجارية والاستثمارية مع جميع دول العالم لا علاقة لها بالسياسة, فمصر ستظل داعمة للمستثمر الأجنبي, الذي يوفر فرص عمل لأبناء الوطن, بغض النظر عن جنسيته, وموقف دولته السياسي, ومصر أيضا حريصة كل الحرص علي احترام اتفاقياتها التجارية الدولية, التي حولت السوق المصري إلي أكثر من4,1 مليار مستهلك من خلال اتفاقيات التجارة الحرة بدلا من90 مليونا فقط مستهلكا مصريا, مما ضاعف من الصادرات وجذب الاستثمارات وخلق فرص عمل كريمة لأبناء مصر في وطنهم وأضاف الوكيل أنه لا مجال للمزايدات السياسية فيما يخص الاقتصاد والتجارة والاستثمار التي تمس صميم جميع الجوانب الحياتية لأبناء مصر, مضيفا أن جميع شركائنا في التنمية كانوا وسيظلون دولا صديقة, وعلاقاتنا الاقتصادية ستستمر, بل ستتنامي مع جميع دول العالم, تلك التي دعمت سعينا للديمقراطية وحربنا ضد الإرهاب, أو تلك التي لم تتفهم حقيقة الموقف بعد.