سياسة أردوغان تميل إلى تأجيج الأحداث خصوصا فى مصر وسوريا - أردوغان قام بدعم المنظمات الإرهابية من أمثال داعش بشكل علنى وتخيَّل أنه إذا دعم معارضى النظام السورى سيطيحون به! - مصر تمثل عنصر توازن للمنطقة والعالم الإسلامى وتنبهت لنيات وخطط أردوغان مبكرا.. واتخذت موقفا حياله - بديع الزمان سعيد النورسى يصف المصرى بأنه «ابن الإسلام الذكى» - اتخذت مصر موقفا كريما حاسما حين رفضت استغلال تركيا لمنظمة التعاون الإسلامى بغرض إدراج الخدمة ضمن الكيانات الإرهابية - تربية الأجيال على احترام الإنسانية و قيم التسامح والمحبة ونبذ الفتن والخصومات وتعزيز الأمل سيمنعها من أن تسقط فريسة سهلة للأفكار المتطرفة منذ وقوع الأحداث الدرامية فى تركيا فى يوليو الماضى فيما عرف بالمحاولة الانقلابية الفاشلة، والأنظار تتجه إلى بنسلفانيا فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث اختار رجل الدين التركى مؤسس حركة الخدمة، فتح الله جولن، تلك الولاية الأمريكية فى عام 1999م. منفى اختياريا.. وأصبح الشيخ الذى يبلغ من العمر الخامسة والسبعين فى بؤرة تداعيات تلك الأحداث الدرامية التركية، حيث اتهمه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بأنه العقل المدبر والمخطط للانقلاب.. «الأهرام العربي» سعت إلى طرح عدد من الأسئلة على هذه الشخصية التى تثير الكثير من الجدل، وإلى تفاصيل الجزء الثانى من الحوار: العلاقات الخارجية التركية هى أيضا متأزمة، وهناك كثير من الدول لديها قناعات بأن تركيا تدعم المنظمات الإرهابية من أمثال داعش والقاعدة وغيرها؟ حينما نما إلى مسامعى هذا الحديث شعرت بقلق بالغ، وتمنيت ألا يكون صادقا. لكن كما تتابعون، أصبحت هذه الأخبار من الأمور العاديَّة، حتى إن بعض الدول الكبرى بدأت تتحرك فى هذا الاتجاه، وتجهز ملفات حول إثبات هذه الموضوعات التى يدور الحديث حولها. مع الأسف نحن أمام شخصية لم تستطع أن تتفهم مسئولية المنصب الذى تشغله، ويبدو أن أحلام الخلافة وإمارة المؤمنين التى تراود خياله لها تأثير على شخصيته. فهو يظن أن العالم الإسلامى سينقاد خلفه، ومن ثم تراه يتحدث عن الدعاء فى قبر صلاح الدين الأيوبي، والصلاة فى الجامع الأموي، وكأنه يرى التدخل فى الشأن الداخلى للدول الأخرى حقا طبيعيا له. وكما هو معلوم فإن سياسته كانت تميل إلى تأجيج الأحداث وصب الزيت على النار، خاصة فيما يتعلق بالأحداث فى مصر وسوريا. ومن المرير اعتقاده بأنه يحرز مكانة عالية من خلال استغلال مظلومية الملايين من الناس. كيف تقيّمون علاقة أردوغان مع دول العالم وبالأخص دول الجوار؟ لتحقيق الهيمنة وأحلام السلطنة، صارت الرغبة فى دخول الأراضى السورية هاجسا ملحا وعقدة تضغط على أردوغان، فقام بدعم المنظمات الإرهابية من أمثال داعش بشكل علني، وتخيَّل أنه إذا دعم معارضى النظام السورى فسيطيح به، بل إن طموحه هذا لم يقتصر على سوريا بل تعداها إلى دعم كل حركة إرهابية تستخدم فى ظاهرها خطابا إسلاميا. وأخيرا تناولت وسائل إعلام عالمية نوع الأسلحة التى أُرسلت والجهات التى تلقتها. ولما تم القبض على الشاحنات التى تحمل هذه الأسلحة أصيب بنوع من الهذيان، وبدلا من توضيح الحقائق لشعبه بدأ بتشريد القضاة والمدعين العموم والجنود وأفراد الشرطة الذين نفذوا هذه العملية وزجَّ بهم فى السجون. الواقع أن الإنسان لا يمكنه تحقيق أى إنجاز عن طريق التدمير، التدمير سهل لكن التعمير ليس بنفس هذه السهولة، فالسلاح الذى تُمِدّ به غيرك قد يأتى يوم ويُصوَّب إلى صدرك. منذ زمن بعيد وأنا لا أزال أردد القول إنه لا يمكن حل أى مشكلة عن طريق العمليات الإرهابية. بل وصل بى الأمر إلى التعرض للاستهداف بسبب تصريحاتى المناهضة للإرهاب، فقد كنت أردد دائما أن المسلم لا يمكن أن يكون إرهابيا، ولن يكون الإرهابى مسلما حقيقيا. فالإرهاب إرهاب مهما كان مرتكبه مسلما أو غير مسلم، وليس هذا مسلكا ناجحا، ولو كان كذلك لسار عليه الأنبياء وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم لقد خاض حروبا فى زمانه لكنها كانت حروبا دفاعية، لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم هو البادئ بها، لقد وضع كل الإستراتيجيات الدفاعية ضد هجمات الجيوش التى جاءت، محاولا تقليل الخسارة بأقل درجة ممكنة. إنه واقع مرير.. لكنه حقيقة يشهدها العالم، فمن جانبٍ هناك مسئولون يستخدمون الشعارات الدينية لتحقيق مكاسب سياسية، ولا يكترثون بنزيف الدماء ما دام يخدم أجندتهم، ومن جانب آخر، هناك معماريو السلام الذين يُنشئون المحاضن التربوية لخدمة الإنسانية.. لقد وضع هؤلاء المسئولون نصب أعينهم إغلاق هذه المؤسسات التى تصنع خميرة القضاء على العداوات مستقبلا. وبالفعل أغلقوها فى تركيا بمنتهى الوقاحة والصلف، وهم الآن يواصلون سعيهم الحثيث لإغلاقها فى شتى أنحاء العالم.. وليس لنا إلا أن نسأل الله تعالى أن يعيدهم إلى صوابهم. ما سبب عداء أردوغان لمصر حسب رأيكم؟ لا أظن أن هذا العداء قاصر على مصر فحسب، بل إنه يضع نفسه فى مكانة معينة، ومن ثم يرى أن كل من لا يضعه فى هذه المكانة خصما، فكل من لا يراه خليفة للمسلمين أو سلطانا للعالم الإسلامى هو بمثابة عدو!! والحقيقة أن هذه حالة مرضية ينبغى للمتخصصين أن يتناولوها بالبحث! فعندما كانت إدارة مصر بيد من يراهم مقربين منه، كان يسعى أن يكون له هيمنة عليها من خلالهم. لكنَّ مصرَ التى تمثل عنصر توازن للمنطقة والعالم الإسلامى تَنبهتْ لهذا مبكرا، واتخذت موقفا حياله، ونتيجة لذلك ازداد حنقا وغيظا، ومن ثم يمكن فى ضوء ذلك تفسير مواقفه تجاه مصر. وعندما لم ينجح فى سياساته، بدأ فى استغلال هذا الملف داخليا، وأصبحت ساحات المهرجانات الانتخابية التركية معرضا للقضايا المصرية، يستغلها لبث روح الكراهية والعداء فى نفوس شريحة من مؤيديه ضد مصر. برأيك ما حجم الدعم الذى يقدمه أردوغان لإخوان مصر؟ وإلى متى سيستمر فى ذلك؟ أظهر أردوغان نفسه كطوق نجاة للإخوان، ففتح أمامهم أبواب البلاد.. ووفر لهم الملاذ الآمن، ووعدهم بتسخير الإمكانات من أجلهم، لكننى لا أظنه مخلصا تجاههم أيضا، فكما استخدم غزة من قبل أداة لسياساته، أساء استخدام الإخوان ولا يزال. فإذا أمعنَّا النظر فى الإمكانات التى هيأها لهم، يمكننا القول بكل سهولة إنه يوفر لهم الملاذ الآمن اليوم، وغدا سيقوم باستغلالهم إذا سنحت له الفرصة، كما دأب على ذلك مع كل الأطراف التى تعاملت معه، والزمان خير مفسر. إننا للأسف أمام شخصيات تتقمص روح الاتحاديين فى نهايات الدولة العثمانية، من أمثال أنور باشا وطلعت باشا وجمال باشا، ففى سبيل رغبات هذه الشخصيات التوسعية وتطلعاتها السلطوية نراها تهدر كل المكاسب التى حققها المجتمع بلا أدنى اكتراث. ما تأثير سياسات أردوغان التى وصفتها على مصر وتركيا الدولتين المحورتين شعبا وحكومة؟ إن مصر وتركيا يمثلان عنصر توازن فى المنطقة، وإن الروابط المشتركة التى تشكلت عبر القرون كفيلة بإعادة العلاقات إلى سابق عهدها. لذلك فإنى على يقين بأن هذه الهستيريا الأردوغانية ستنتهى عند نقطة معينة، وستتلاشى الأجواء السلبية، وتعود العلاقات بين الشعبين المصرى والتركى إلى طبيعتها، وسنلتقى مجددا إخوة متحابين متكاتفين. من وجهة نظركم، كيف يمكن مكافحة انتشار الأفكار المتطرفة والإرهاب بالمنطقة؟ أوَّلا أريد أن أبين أن الراديكالية ليست ظاهرة خاصة بالشرق الأوسط، بل هى ظاهرة عالمية ولها جذور قديمة، ومن ثم لا يمكن قصر الإرهاب على منطقة معينة أو زمان معين. فالإرهاب ظاهرة تهدد العالم كله، لذا ينبغى النظر إلى الأسباب التى تؤدى إلى الإرهاب.. من هذا المنطلق أيضا، فالعوامل التى تغذى الإرهاب أو تؤدى إليه لا ينبغى حصرها فى بيئة أو منطقة معينة، فمهما كان حجم العمليات الإرهابية فى منطقة ما قليلا أو كثيرا، فإن هناك عوامل متعددة تعزز هذا التطرف، وتدفع إلى هذه العمليات الإرهابية، سواء من داخل هذه البيئات أم من خارجها. إن مشكلة التطرف لها أبعاد وجوانب متعددة، وهى فى الحقيقة مشكلة معقدة، وهذا التعقيد يفرض على الجميع المشاركة فى حلها إذ ليس لأحد أن يدعى أنه بمنأى عنها، فقد شاهدنا أخيراً دولا ومناطق تتعرض للإرهاب، فى حين أنها كانت تظن أنها بعيدة عنه. ويحضرنى فى هذا السياق ما اقترحه الأستاذ النورسى فى معرض خطبته التى خطبها فى الجامع الأموى بالشام، إذ لا تزال هذه المقترحات التى قدمها غضة طرية لم تفقد طراوتها بعد. فالجهل يمثل بيئة خصبة يترعرع فيها الإرهاب، والفقر يمثل حالة مثالية لاجتذاب العناصر الإرهابية وتجنيدها، كما أن بث روح التفرقة بين أفراد المجتمع يسهم فى زيادة وتيرة تلك العمليات الإرهابية. لذلك فالقضاء على هذه المشكلات الثلاث حسبما أوضح الأستاذ النورسى هو الحل الأمثل لتجفيف منابع الإرهاب، والعمل على اجتثاثه من جذوره. وإلا فكل المحاولات التى تهدف إلى الحل من دون القضاء على الجهل، وتقديم الحلول الناجحة للبطالة، وإنهاء السياسات التى تقسم المجتمع وتفرق بين أفراده ستبوء بالفشل. إن التربية والتعليم هما المفتاح السحرى لحل هذا الموضوع من جذوره. فتربية الأجيال على احترام إنسانية كل إنسان، وتنشئتها على قيم التسامح والمحبة ونبذ الفتن والخصومات، وتعزيز الأمل فى نفوسها حول مستقبلها، كل هذا سيمنعها من أن تقع فريسة سهلة للأفكار الراديكالية. وينبغى الاهتمام بهذا الموضوع من سن مبكرة، بداية من سن الروضة مثلا، ويجب ألا ينحصر فى المؤسسات التربوية فحسب، بل يجب تضافر كل الجهود للاستفادة من كل الوسائل والإمكانات العصرية المتوافرة، كوسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، وعالم الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى وغيرها.كما ينبغى توظيف الأعمال الدرامية من أفلام ومسلسلات وأفلام الرسوم المتحركة وغيرها من الوسائل الممكنة لتغذية اللاوعى فى سن مبكرة.. فى المقابل ينبغى التصدى لكل من يعمل على ترويج الأفكار الإرهابية، وتصويرها فى صورة محببة إلى النفوس، وعدم منحه الفرصة لتدمير ما بنيناه. عليَّ أن أعترف بأن آفاقنا الفكرية فى العالَم الإسلامى ضيقةٌ جدا، لدرجة أننا عاجزون عن رؤية ما بين أيدينا، فضلا عن الرؤية بعيدة المدى، لذلك تنحصر أفكارنا فى حدود يومنا الذى نعيشه، ولا نحاول أن نتعب دماغنا فى سبيل إيجاد وسائل تساعد على حل مشاكلنا المتراكمة، بينما مشاكلنا اليومية متواصلة بلا انقطاع. الحقيقة أن هذه المشاكل لم تظهر بين ليلة وضحاها، حتى يمكن حلها مرة واحدة.. فالإرهاب شأنه شأن كثير من المشاكل يتطلب نفسا طويلا وصبرا.. والرسول صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحى الإلهى بذل جهودا على مدار 21 عاما لحل المشاكل فى مكةالمكرمة، وفى النهاية استطاع حلها جميعا، وهذا يعنى أن المشاكل يمكن حلها.. فالمنهج النبوى يعلمنا أنه ليس هناك مشكلة مستعصية على الحل. ويبدو أن هذه المشكلة أيضا هى من نوعية المشاكل التى لا يمكن حلها إلا بنفس طويل وبذل مشترك للجهود.. فبالأمس كان فكر الخوارج يُقَطِّع الصحابة إربا إربا، وها هو اليوم يعود إلى الحياة فى هيئة جديدة ممثلا مشكلة أكبر من السابق.. فضلا عن أنه لا يتلقى الدعم من الخارج فحسب، بل يتقوى بدعم من داخل العالَم الإسلامى أيضا.. ومن البديهى أنه إذا لم يتم تشخيص المرض تشخيصا جيدا فلن يجدى التداوى والعلاج. وبرغم كل شىء لا ينبغى الوقوع فريسة فى براثن اليأس أو الاستسلام له.. فلا شك أن ما أمكن حله بالأمس يمكن أن يحل اليوم أيضا، شريطة أن يكون المنهاج الذى نسلكه هو المنهاج النبوي. ما أهدافكم التى تسعون إلى تحقيقها من وراء انتشار مؤسساتكم العلمية والثقافية والتربوية فى مصر والعالم العربى؟ انتهزت كل فرصة لأقول: لم يكن لنا يوما مطلب سوى تحصيل مرضاة الله تعالى، ولن يكون لنا غير ذلك بإذن الله. فبحسب تعبير فخر الكائنات سيدنا محمد صل الله عليه وسلم الذى يقول فيه:"خير الناس أنفعهم للناس"، توخينا أن نقدم خدماتنا للناس، كل الناس بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم وأجناسهم ومذاهبهم ومشاربهم. آمنا بأن هذا هو الطريق لتحصيل مرضاة الله تعالى بشكل كلي.. وما يهمنا فى هذا المجال التوازن بين "المهم" و"الأهم"، ونحن بدورنا أعطينا الأولوية فى هذا الأمر للمناطق التى هى بأمس الحاجة إلى قيمنا.. سلكنا الطريق، ونحمد الله تعالى فقد ظهرت لنا أثناء مسيرنا أماراتٌ عديدة تدل على أن الله راض عن عملنا هذا، ومنذ البداية إلى يومنا هذا لاحظنا من كل تلك الأمارات التى رأيناها وسمعناها وعشناها، أن هذا الطريق الذى نسلكه هو عين الصواب. أما بالنسبة للعالم العربى وفى القلب منه مصر، فإن جغرافية هذه المنطقة لغتها العربية، وهى لغة ديننا الحنيف، ومن ثم فهم أسرع وصولا منا إلى نصوص الكتاب الحكيم والسنة النبوية.. فضلا عن أنها تمتلك أرضية خصبة من المؤسسات العلمية العريقة كالأزهر الشريف، الذى يتمتع بتقاليد علمية أصيلة تضرب بجذورها فى عصور قديمة، مما جعلها صاحبة شهرة تستحقها. وبالتالى فإننا بالإضافة إلى ما يمكن أن نقدمه لهذه المنطقة من خدمات، فى حاجة ماسة إلى أن نتعلم منها الشيء الكثير.. لست أدرى ما الحكمة الإلهية من تأخر وصول مؤسسات «الخدمة» إلى العالم العربي، قد يكون هذا بسبب تقصير منا، كما يبدو أننا تأخرنا فى طلب الاستفادة من هذه المنطقة. هذا جانب من الأمر.. ومن جانب آخر هناك من العالم العربى أحباء تعرفوا على برامج «الخدمة» فى مناطق مختلفة من العالم، واطلعوا على ما كتبه العبد الفقير فوجدوا حسب تعبيرهم نَفَسا وصوتا مختلفين، وسألونا لماذا تهملون هذه المنطقة من برامج خدماتكم؟ فبدأت بواكير بعض هذه المؤسسات بالتعاون مع بعض رجال الأعمال الأتراك، وكانت تجربة جيدة تكررت نماذجها فى عدد مختلف من البلدان العربية، وأثنت عليها الإدارات الحكومية التى تشرف عليها لالتزامها بالشفافية والاحترافية والالتزام. استفاد أبناؤنا الأتراك أيضا من تواجدهم فى العالم العربى من خلال احتكاكهم بالثقافة الإسلامية والعربية فى منابعها الأصيلة، وتخرجوا فى معاهدها العلمية العريقة، وتلامسوا مع الجذور فى الثقافة العربية والإسلامية. لذلك لا يسعنى إلا أن أقول إن كل قافلة مهما كانت محملة من بضائع إلى البلد الذى تتوجه إليه، فإنها لا تعود من هناك فارغة الأيدي، لذا نرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وأن نعود بما ينفعنا. نحن نعتبر إنشاء أى مؤسسة تربوية فى أى بلد هى قيمة إضافية لذلك البلد، وملك له تخدم مجتمعه وتنمى من قدرات أبنائه، وليس لهذه المؤسسات من غاية أخرى سوى أن تكون مفيدة ونافعة لهذا البلد. لم نتدخل مطلقا فى أى شأن داخلى، وليست لدينا نيات فى هذا الصدد، نحن نؤمن بأن مشاكل الغد لا يمكن أن يحلها إلا أفراد يتحلون بروح العلم والمعرفة، ومن ثم فكل مؤسساتنا تدور فى هذا الفلك. ومنذ بدايات سنة 1990 انتشرت سلاسل مؤسساتنا التربوية فى مختلف أنحاء العالم، وخضعت جميع هذه المؤسسات والمتخرجين فيها للرقابة الأمنية والاستخباراتية الوطنية فى هذه البلدان لمدة تزيد عن 20 عاما منذ ذلك التاريخ،وقد حصلت هذه المؤسسات إلى يومنا هذا على عدد كبير من شهادات التقدير من الوزراء والمحافظين ورؤساء تلك الدول.. كما أنها تلقت دعوات بشأن إنشاء مؤسسات أخرى.. العالَم يعرفنا جيدا، ولديه القدرة على استشفاف نوايانا من خلال ثمرات هذه المؤسسات. لذا أكرر القول ليس لأبناء «الخدمة» الذين أسسوا هذه المؤسسات أى هدف سوى أن يضربوا فى مجال التربية والتعليم بسهم، ينشئ مواطنين صالحين لأوطانهم، ونافعين لأمتهم وللإنسانية، قادرين على تأسيس روح المحبة والتعايش فيما بينهم، ساعين إلى العمل على رفعة بلادهم إلى مستوى يشار إليه بالبنان، سواء فى العلوم والتكنولوجيا، أم فى العلاقات الإنسانية. تتمتع مصر بموقع مهم فى العالم الإسلامى، خصوصا وأن بها الأزهر الذى يُعتبر من حصون أهل السنة والجماعة، ومن هذا المنطلق فما رأيكم فى الدور الذى يقع على عاتق المؤسسات الدينية فى بيان رسالة الإسلام السمحة وتبليغها إلى العالم؟ فى هذا العصر الذى يتم فيه تشويه كل شيء وتحريفه عن مساره الصحيح، هناك حاجة ملحة إلى مؤسسات مثل الأزهر، كالحاجة إلى الخبز والماء.. فيا حبذا لو كان فى كل منطقة مؤسسات مباركة مثل الأزهر الشريف، حتى يتأسى بها الناس فى كل أمورهم ويحددوا بوصلتهم تبعا لها. لقد كان لدى الأستاذ النورسى مقترح بتأسيس جامعة على غرار الأزهر الشريف فى شرقى تركيا إبان الحقبة التى دُمّر فيها كل ما يتعلق بالإيمان وبثقافتنا. وقد اقترح أن يكون اسمها الزهراء استلهاما من الأزهر الشريف، حيث كان يراها شقيقة للأزهر. وقد خطط أن تكون اللغة العربية فيها بمثابة الفرض، والتركية بمنزلة الواجب والكردية جائزة. وكان رحمه الله يستهدف أن ترتفع جدران العلوم الدينية والكونية معا على هذا الأساس.. لكن معاصريه لم يتفهموه هو أيضا فى تلك الفترة، لذلك لم يُكتب لهذه المؤسسة أن ترى النور. والواقع اليوم يؤكد أن كثيرا من المشكلات التى نواجهها، والتى تطرقتم لبعضها فى هذا الحوار يرتبط حلها بوجود أمثال هذه المؤسسات. الأزهر اليوم يحتضن آلاف الطلبة القادمين من جغرافيات شاسعة كأعماق إفريقيا، وآسيا الوسطى والبلقان والشرق الأقصى.. وإن تنشئةَ طلبة متمسكين بالكتاب والسنة، ومحترِمين للجهود التى بذلها سلفنا الصالح، وملمين بعلوم الأصول بشكل جيد، و فى الوقت نفسه مدركين لحاجات مجتمعاتهم، ومؤهلين لتقديم الخدمات الدينية إذا رجعوا إلى بلادهم... كل ذلك يحظى بقيمة تفوق كل تقدير. وكما أعربتم فى سؤالكم، فالمهمة التى تقع على عاتق المؤسسات الدينية هى نقل الدين بشكل صحيح إلى الجماهير، والاقتداء الحقيقى بالخط النبوى الذى امتد منذ القدم وسار عليه أهل السنة والجماعة. ومن الأهمية بمكان أن تُنتِج هذه المؤسسات المعلومات التى نحتاج إليها فى عصرنا، دون أن تكرر المعلومات السابقة، وألا تنحوا صوب الترف الفكري. أجل، إذا ألقينا نظرة عامة على العالم الإسلامى اليوم فسنرى احتراما عاما للدين ومظاهر مختلفة للتدين، وسنسمع أصوات القراء الذين يتلون القرآن تتردد فى كل مكان، وسنشاهد فى كل زاوية مساجد تحتضن مرتاديها، وتعج بمشاعرهم الجياشة. لكن هناك واقعا ينبغى ألا نغفله وهو أننا نعايش خمودا فى الجانب الروحى. وعلينا أن نتجاوز بالدين حدود المظاهر إلى العمق، حتى نستطيع أن نجعله جزءا من حياتنا، علينا أن نكتشف آليات ووسائل تمكننا من نقل هذا الدين إلى جنبات العالم الذى نعيش فيه بشكل يغبطنا عليه الناظرون، لا يجب أن يظل الدين حبيسا فى أروقة المساجد، لا بد من الاستمرار فى البحث عن وسائل جديدة يمكن من خلالها أن يعيش الدين فى كل مناحى الحياة.. كما ينبغى تنشئة علماء دين لهم إلمام بالعالم الرقمى أيضا بحيث يستطيعون أن يوصلوا أصواتهم إلى الملايين فى هذا العالم.. وإذا كان الناس فى عصرنا يعيشون حياتهم فى محور الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، فعليكم أن تكتشفوا طرائق توصل إليهم قضاياكم عبر هذه القنوات.. فإذا لم تكونوا موجودين فى خضم هذه البيئة التى تفيض فيها سيول المعلومات، فهذا يعنى أنكم ستخسرون مستقبلكم أيضا. فمنذ وقت بعيد لم نستطع أن نستفيد من هذه المجالات، ومن المعلوم أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فإذ لم تملؤها أنتم فسيأتى من يملؤها من غيركم. فأمثال الأزهر الشريف من المؤسسات التى تتمتع بسمعة طيبة تستطيع أن تلعب فى هذا المجال أيضا دورا رائدا، وأن تتبوأ مكانتها اللائقة بها بالفعل، فتجمع بين رجال الأعمال والعقول المفكرة لتصبح وسيلة إلى أعمال خيرية كبيرة من خلال نشر ديننا وقيمنا بلغة العصر. إن هناك كثيرا من الأعمال فى انتظار من يبادر لها، ولكى يتم قطع مسافة فى هذا الطريق لا بد من إطلاق إشارة البدء والاعتماد على الله فى كل حال.
..للمزيد: - فتح الله جولن ل"الأهرام العربي" (1): محاولة الانقلاب بتركيا مسرحية ومؤامرة.. وفضائح الفساد سبب انقلاب أردوغان علينا - فتح الله جولن ل"الأهرام العربى" (2): اخترنا ضبط النفس فى مواجهة سياسات النظام التركى الاستفزازية