للأسف لاتزال ثقافة «القطيع» تتحكم فى عقول غالبية الشعب المصرى فى مصر الثورة، حيث تؤثر استطلاعات الرأى العام الخاصة بالانتخابات الرئاسية على توجهات المواطنين بحيث ينساق العديد منهم لرأى الأغلبية اعتقادا بأن صوتهم لن يكون له شأن، طالما أن المرشح لا يتمتع بتأييد الأغلبية، بحيث أضحت تلك الاستطلاعات أشبه بدعاية مجانية للمرشحين. فلماذا لا يقوم أحد بإجراء استطلاع رأى عام حول نظام الثانوية العامة مثلا؟ سؤال طرحه علينا د. صفوت العالم - رئيس لجنة تقييم الأداء الإعلامى باللجنة العليا للانتخابات الرئاسية - قائلا: لقد تحول أمر مثل تلك الاستطلاعات إلى «لعبة دعائية» وإلا لماذا تكررت بشكل مبالغ فيه فى الأسابيع الأخيرة؟ ولماذا لا يتم إجراء استطلاعات بشأن قضايا أخرى على درجة كبيرة من الأهمية لإثبات إخلاص من يقوم بإجراء مثل تلك الاستطلاعات؟ وبناء على هذا لابد من التعامل معها بدرجة كبيرة من الحذر والتدقيق عند نشرها فى وسائل الإعلام لأن بعضها يتم توظيفه دعائيا، ومن هنا ينبع تباين النتائج، حيث قد يتم اختيار عينة غير ممثلة للمجتمع. ويلفت نظرنا د. صفوت العالم إلى أحد الأخطاء الأخرى الشائعة عند إجراء مثل تلك الاستطلاعات والذى يتمثل فى ترتيب المرشحين فى استمارة الأسئلة لمعرفة لمن سيصوت الناخب، فإذا ما وضعت السيد عمرو موسى مثلا فى صدارة القائمة، فغالبا ما تأتى نسبة التأييد له مرتفعة، وإذا ما كان د. عبدالمنعم أبوالفتوح أول اسم يصادفه الفرد، فاحتمالات احتلاله مكانة متقدمة تزيد. ويحذر د. صفوت العالم من موقعه كرئيس لجنة تقييم الأداء الإعلامى من استخدام بعض وسائل الإعلام لاستطلاعات الرأى العام، كأسلوب دعائى خصوصا فى الفترة الزمنية السابقة على بداية عملية التصويت، فيما يعد مخالفا للمادة 11 فى ضوابط الدعاية الانتخابية. ويشرح لنا د. عادل عبدالغفار - أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة - كيفية تأثير استطلاعات الرأى العام على السلوك التصويتى للناخبين على النحو التالى، بداية استطلاعات الرأى العام لها وظيفتان، الوظيفة الأولى هى الكشف عن المزاج العام أو الاتجاهات العامة بشأن موضوع ما أو قضية ما أو مرشح محدد، بمعنى تفضيلات الرأى العام بشأن هذا المرشح أو ذاك وأسهمه لدى الرأى العام. أما الوظيفة الثانية فتتمثل فى إعاد تشكيل الرأى العام، بمعنى التأثير على اتجاهاته من خلال ما يتم نشره فى نتائج الاستطلاع، وتقود الوظيفة الأولى إلى الثانية، فالرأى العام المصرى يمكن تصنيفه إلى ثلاث فئات، الفئة الأولى هى التى حسمت قرارها واستقرت على مرشح معين، و الفئة الثانية لا تزال أسيرة الحيرة بين المرشحين للرئاسة، أما الفئة الثالثة فهى لم تحدد بعد أى مرشح سوف تختار، ويتجلى تأثير استطلاعات الرأى العام على الفئتين الثانية والثالثة، تلك التى لاتزال مترددة، والأخرى التى لا تعرف حتى هذه اللحظة لمن سيذهب صوتها، وعندما يتم نشر نتائج أحد استطلاعات الرأى العام وتشير إلى أن الأغلبية تؤيد المرشح الفلانى، بالتالى نقوم بعملية تيسير للفئتين الثانية والثالثة، لأنها تريد اختيار من يتمتع بأغلبية الأصوات، وبنصيب الأسد فى احتمالات الفوز فى السباق الرئاسى. ويستطرد د. عبدالغفار قائلا: واقعيا هناك أكثر من متغير يؤثر فى تشكيل توجهات جمهور الناخبين مثل حجم الدعاية الانتخابية للمرشح، تاريخه السياسى، استطلاعات الرأى العام، حجم المتوطعين و المويدين له وقدرتهم على الحشد، وأخيرا التك تلات والصفقات السياسية، خصوصا فى الفترة السابقة على بداية عمليات التصويت، لكن للأسف لاتزال الحلقة الحاسمة ألا وهى البرامج الانتخابية هى الأضعف، لماذا؟ لأنها فى التحليل الأخير لا تعدو أن تكون سوى مزيج من الوعود البراقة والخطاب الذى يتلاعب بعواطف الناخبين، لكنها لا تقدم حلولا إبداعية لمشكلات مزمنة وتبتعد عن الخوض فى التفاصيل، ويبدو أن المواطنين باستثناء النخبة لم يتعودوا بعد على أهمية متابعة البرامج الانتخابية للمرشحين، وإن كان هذا الأمر سوف يكتسب مزيدا من الأهمية بمرور الوقت. ويفجر د. حسين أمين - أستاذ الإعلام بالجامعة الأمريكية - مشكلة أخرى تعانيها مراكز استطلاع الرأى العام لدينا تتمثل فى عدم استقلاليتها وافتقادها الدقة المطلوبة، نتيجة لعدم اتباع المنهجية العلمية، على غرار ما هو فى الدول الديمقراطية قائلا: إننا حديثو العهد بالديمقراطية، وبالتالى بظواهر جديدة علينا فى الإعلام ووسائل جمع المعلومات، وليس لدينا مراكز استطلاع رأى عام باستثناء مركز دعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، الأمر الذي ينزع عنه استقلاليته، وهو ما طالبت به شخصيا مرارا وتكرارا منذ فترة طويلة، بحيث نكون على استعداد للتعامل مع الانتخابات الرئاسية، لكن للأسف لا حياة لمن تنادى، بالتالى غالبا ما تكون المعلومات متحيزة، فلا مراكز قوية رفيعة المستوى تنافس تلك المراكز القائمة فى الدول الديمقراطية التى تقوم بجمع المعلومات وتصنيفها بالنسبة لمرشحى الرئاسة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تفتقد تلك الجهات التى تقوم بإجراء استطلاع الرأى العام لآلية جمع المعلومات الميكانيكية، فقد أصبحت الصحف تطالعنا بين الحين والآخر باستطلاعات لمراكز لم أسمع عنها من قبل، فضلا عن أن بعض تلك المراكز يتم تمويلها لخدمة مرشح أو تيار معين، ولا أعلم ما المنهجية التى تتبعها أو آلية جمع المعلومات، وما العينة المستخدمة، وتوقيت جمع المعلومات كاستبعاد مرشح ما، أو إجراء مناظرة كالتى شاهدناها أخيرا، وما قد يتبع ذلك من تغير فى اتجاهات الرأى العام، هذا إلى جانب طرح الأسئلة الإيحائية، كأن تقول مثلا غالبية الشعب المصرى تحب عمرو موسى، هل توافق على ذلك؟ مثل هذا السؤال يكون ذا تأثير كبير خصوصا على الطبقات الدنيا والمتوسطة، وبهذا أصبحنا أمام حالة فى تداخل وتعارض المعلومات، مما أفقد تلك الاستطلاعات مصداقيتها على خلاف دقة استطلاعات الرأى العام فى الخارج. ويطالب د. حسين أمين، أن تحصل تلك المراكز على شهادات جودة تماثل شهادة الأيزو الشهيرة، علىأن يتم تجديد منحها كل عام أو اثنين بعد خضوعها لعملية تقييم أداء حتى لا تتحول إلى أداة تأثير بدلا من طرح بيانات دقيقة علمية. وأخيرا أعتقد عزيزى الناخب أنك بعد قراءة هذا التحقيق سوف نطوى صفحات الجرائد التى تنشر مثل تلك الاستطلاعات وتنفض نتائجها عن ذهنك وأنت أمام الصندوق الذهبى للتصويت، فلا تستمع إلى أصدائها بل إلى رنين المنطق وحده.