لا يمكن لأحد أن يملاء الفراغ داخل حركة حماس غير خالد مشعل .. ربما هذه هي النتيجة التي خرجت بها الانتخابات في دورتها الخامسة التي أجرتها الحركة لرئاسة المكتب السياسي هذه المرة في جغرافيا لم يكن للحمساويين فيها سابقا موطئ قدم سياسي أو إيديولوجي حاكم .هذه الانتخابات وان جاءت في احد أوجهها تعبيرا عن أزمة داخلية وليس تطوراً لجهة عدة عوامل أهمها التناقضات الداخلية التي بدت تطفوا على السطح، بالإضافة إلى المتغيرات التي عصفت ببنيتها وتركيبتها التنظيمية على اثر حالة الانقسام واستيلاء الحركة على مقاليد السلطة بعد الانقلاب الذي أطاح بخصمها التقليدي حركة فتح والسيطرة على قطاع غزة ، بالإضافة إلى غياب الكثير من الأسماء والعناوين داخل الحركة والتي كانت تشكل ثقلا لم يكن لمشعل وقتها في إطار التوازنات الداخلية اى وزن أو حضور لولا غيابها القسري عن المشهد بفعل الاغتيال الاسرائيلي . حضور الرجل بدا لازمة سياسية وليس قيادية لتدشين هذه المرحلة لإحداث تتطور في عقيدة الحركة الدينية التي ظلت حتي وقت قريب تردد ذات الشعارات دون اى مضمون سياسي واضح في إطار الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، فلم تبلور الحركة اى رؤية مقبولة إقليميا أو دوليا تسمح باحتوائها وإدخالها إلى المعترك السياسي في إطار الحلول الدولية المطروحة للصراع . إلى وقت انخراطها في الانتخابات والتي أفضت إلى متغيرات في بنية النظام السياسي الفلسطيني لتبدأ مرحلة جديدة كانت بحاجة إلى عناوين وأشخاص جدد . صعود مشعل إلى رئاسة المكتب السياسي وقتها عام 1996 بعد حادثة الاغتيال في الأردن كان بداية هذه المرحلة التي جري فيها تهيئة المسرح للرجل بعد تصفية كل مواطن القوة دخل الحركة التي كان مركز القرار فيها داخل غزة ولم يخرج منه إلا بعد رحيل رموزها التاريخيين . حيث برز مشعل كقوة برهن هو بنفسه عليها عبر إظهار مقدرة تنظيمية على القيادة والتأثير بالإضافة إلى عدم وجود من ينازعه هذه المكانة داخل الحركة، حتي في ظل وجود شخصيات تاريخية لم تنجح في أن تكون عنوان إجماع داخلي . قد لا يختلف احد على كرازماتية الرجل من حيث التأثير ومقدرته على احتواء خصومه السياسيين داخل وخارج الحركة فمشعل وان كان عنوانا توافقيا داخل حماس ليس لعدم وجود خلاف لكنه بالإضافة إلى إثباته قدرة تنظيمه داخلية نجح كذلك في إثبات مقدرة وبراجماتية كبيرة في التعاطي مع التطورات الخارجية حيث أصبح شخصية مقبولة دوليا وإقليميا خاصة من دول الربيع العربي الذي شكل اصطفافها قوة داعمة للرجل وتوجهاته السياسية صوب احتواء التمثيل الفلسطيني بعد تمزيقه . فانتخاب مشعل واختيار مصر مكاناً لإجراء الانتخابات هو بداية مرحلة سياسية أو خطة سياسية جديدة تؤشر إلى حجم هذه المتغيرات بعد صعود الأخوان المسلمين إلى المشهد السياسي المصري بعد الثورات التي عصفت بالمنطقة فاختيار مصر له مغزي سياسي واضح فهي لن تكون بعد اليوم عاصمة سياسية عربية جامعة بل "اخوانية" وستسعي الحركة إلى الاستفادة من هذه العلاقة إلى ابعد حدود في تعزيز واقع الانقسام الفلسطيني وربما التقدم باتجاه مشاريع اخطر بكثير جري تداولها والحديث عنها عبر مخططات الفصل والزج بقطاع غزة باتجاه مصر وهو خطر سيبقي قائما في ظل هذا المشهد . ترحيب الرئيس محمود عباس باختيار مشعل رئيسا للمكتب السياسي يعود في الأساس إلى أن الأخير شخصية يمكن الالتقاء معه فلسطينيا وهو ما برهنت عليه اللقاءات السابقة بين الطرفين في إطار المصالحة من خلال رؤية سياسية مشتركة أو متقاربة حول مستقبل العلاقة مع الاسرائيلي فحماس بقيادة مشعل أعطت عباس التفويض السياسي لإدارة المفاوضات والتوصل إلى حلول للصراع على قاعدة الدولتين رغم الخلاف بين الطرفين على قضايا إجرائية أخري إلا أن الملف السياسي حسم مبكراً . المرونة السياسية لدي حركة حماس تأتي في سياق التحولات التي وجدت الحركة نفسها أمامها والتي لم تعد الأفكار السابقة توفر لها غطاء بعد ما جري في غزة بعد الانقلاب فسعت الى تطوير مواقف سياسية كانت السلطة الفلسطينية قد انتهت منها بعد أن وصل السقف السياسي مع الإسرائيليين إلى نهايته من حيث التصورات والحلول للصراع وان محاولات دخول حماس كبديل مع تفهم الإسرائيليين بالطبع لهذا التوجه إلا انه كان لابد أن يمر من تحت مظلة عباس الذي يمتلك حتي ألان مفاتيح الشرعية الفلسطينية رغم كل ما جري من انقلاب لم يكتمل سياسيا وان نجح عسكريا . رغبة الرئيس عباس في الحفاظ على وحدة و شكل التمثيل الفلسطيني في ظل حالة الاصطفاف العربي بعد الربيع خلف حماس والذي جاء بمجمله لصالح الأخيرة ومساع دول مثل قطر وتركيا إلى تصعيد الحركة للعب هذا الدور عبر تقديم كل أشكال الدعم السياسي والمالي، دفعه إلى تقارب مع الحركة في شخص مشعل في إطار المصالحة بين الطرفين وبعد تلمسه هذا التطور السياسي الذي يسمح للحركة بالدخول في الإطار السياسي الفلسطيني الجامع والممثل بمنظمة التحرير الفلسطينية . حماس سعت كذلك إلى إرسال عدة رسائل عبر رجلها القوي مشعل مطمئنة القوي ألكبري للتأكيد على هذه المتغيرات وان الحركة لم تعد تنظيما إرهابيا بل حركة سياسية تسعي بالفعل إلى حلول مع الاسرائيلي على قاعدة التسوية للصراع بالحد المقبول أو الادني حل الدولتين لكنها لم تنجح في إدارة هذه المسالة بعيدا عن السلطة بشرعيتها الرئيسية وهي منظمة التحرير الممثل الوحيد والمقبول المعترف به دوليا . رغم أن الثمن السياسي مكلف وباهض لحركة مثل حماس تتنازع ما بين فلسطينيتها ودينيتها لكي تنخرط في العملية السياسية والتي تتطلب من الحركة الخضوع لشروط الرباعية الدولية وصولا إلى الاعتراف بإسرائيل وهو الشعار الذي لا تزال تتمسك به الحركة إلا أنها سعت إلى الالتفاف على ذلك للانضمام إلى منظمة التحرير وهو ما تفهمه الرئيس عباس وسعي إلى توفيره للحركة لكن تحت مظلة شرعيته . لكن هذا الموقف لن يطول كثيرا فمشعل يسعي بشكل حثيث إلى الخروج من تحت هذه الوصاية السياسية حيث اثبت وبشكل متدحرج عبر كثير من الحوارات واللقاءات أن ممكنات التوصل إلى حلول سياسية تتجاوز ما وصلت إليه السلطة في سقفها السياسي إلى ابعد من ذلك من حيث التنازلات وان مسالة الاعتراف بإسرائيل مسألة وقت ولن تجد الحركة اى صعوبات في تبرير هذا التوجه إذا أرادت سواء للداخل أو الخارج . مشعل هو الجواد الرابح داخل حماس حيث سيكون عليه في السنوات الأربع القادمة حسب المعادلة الجديدة إلى الدخول بالحركة إلى آفاق سياسية أكثر رحابة وقبولا بعد التطورات التي عصفت بالمنطقة بعد صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم وبعد منحه إشارات دولية وإقليمية للعب الدور السياسي الذي عجز عنه محمود عباس في الساحة الفلسطينية مع الإسرائيليين .