سيظل شهر رمضان المبارك محفورا فى ذاكرة المصريين والمسلمين فى أنحاء العالم بأنه شهر البركات والعبادات والخيرات والتراحم بين بنى البشر فى كل مكان، على الرغم من اختلاف دياناتهم وجنسياتهم واتجاهاتهم، فهو شهر له خصوصياته الجميلة التى تختلف عن جميع شهور السنة، وهو شهر كريم بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، تتزايد فيه العبادات والتراحم والتواصل بين الجميع، ونتذكره دائما بأنه شهر الانتصارات، ففيه كانت غزوة بدر الكبرى فى يوم 17 رمضان فى العام الثانى من الهجرة، وشهد أول انتصار للمسلمين برغم قلة عددهم على مشركى قريش الذين كان عدد جيشهم أكثر من ثلاثة أضعاف جيش المسلمين، وفى العام الثامن من الهجرة وفى يوم 20 رمضان تم فتح مكة، وانتصر المسلمون على قريش بعد أن نقضوا صلح الحديبية الذى عقد بينهم وبين المسلمين، وفى العاشر من رمضان عام 1393 من الهجرة الموافق السادس من أكتوبر عام 1973 حقق الجيشان المصرى والسورى انتصارا كبيرا على إسرائيل فى جبهة قناة السويس وفى هضبة الجولان السورية، وكان هذا النصر العظيم هو أول انتصار عسكرى على إسرائيل فى العصر الحديث على الرغم من التفوق العسكرى للجيش الإسرائيلى بالمعدات والأسلحة والطائرات على الجيوش العربية مجتمعة، فإن إرادة المقاتل المصرى والسورى وإيمانهم بعدالة قضيتهم وتصميمهم على تحرير الأرض التى احتلتها إسرائيل فى الجبهتين المصرية والسورية فى الخامس من يونيو عام 1967، التى عرفت بنكسة 67، كان وراء التخطيط الجيد والاستعداد للتضحية والفداء فى سبيل الوطن، وكان اختيار شهر رمضان المبارك للقيام بهذه الحرب أسوة بتضحيات المسلمين الأوائل فى صدر الإسلام، وعلى الرغم من اختلاف الظروف وتطور صناعة السلاح والمعدات العسكرية فى العصر الحديث، عما كانت عليها الحال منذ أكثر من 1400 عام فى بداية ظهور الإسلام، فإن العقيدة القتالية والإيمان بعدالة القضية التى تكون سببا فى إشعال الحروب ستظل هى المحرك الأساسى لهذه الصراعات على الرغم من تشابك المصالح الدولية أو تعارضها فى هذه الصراعات، التى قد تكون هى السبب الرئيسى فى إشعال المعارك المسلحة، التى تشهد أحيانا استئجار مقاتلين مدربين وتزويدهم بالمال والسلاح والمتفجرات للقيام بعمليات إرهابية بمقابل مادي، بعيدا عن العقيدة القتالية التى كانت سائدة فى الماضى القريب، وكان أفضل مثال على ذلك ظهور تنظيمات مسلحة مأجورة تنفذ عمليات إرهابية تصل إلى حد قتل المسلمين والمسيحيين داخل دور العبادة وهم يؤدون صلواتهم، ولا فرق عندهم فى توقيت تنفيذ مخططاتهم الإرهابية بين الأشهر الحرم وشهر رمضان المبارك، فالمهم لديهم تنفيذ المخططات الإرهابية المرسومة لهم للقتل والتفجير والتدمير والحصول على المقابل المادي. ومن سخريات القدر أن تتستر هذه العصابات والتنظيمات الإرهابية بالإسلام، وتتخذ من بعض الشعارات الجهادية شعارات لها وتقوم بهذه العمليات الإرهابية باسم الجهاد والإسلام، وتطلق على بعض قادتها من عتاة الإجرام والإرهاب أسماء المجاهدين من صحابة الرسول الكريم، وهو منهم بريء إلى يوم الدين. وهل يعقل أن يتحول شهر رمضان المبارك من شهر الانتصارات منذ الأيام الأولى لظهور الإسلام مرورا بالغزوات والفتوحات فى ظل الدولة الإسلامية، وصولا إلى انتصارات العاشر من رمضان المجيدة إلى شهر تسفك فيه دماء الأبرياء على أيدى إرهابيين يتاجرون بالدين وهم لا يعرفون دينا ولاذمة وهم مجرد شراذم لعب الشيطان بعقولهم، ونأمل أن يعودوا لرشدهم وتتضافر جميع الجهود والقوى المحبة للسلام للقضاء على هذه الشراذم أو يعلنوا توبتهم وتتوقف مخططات التمويل والتسليح للقوى التى تساندهم، ويعلم الجميع أن روح المحبة والتسامح والإخاء بين البشر هى جوهر الرسالات السماوية التى بعث بها الله رسله ليكونوا منارات للهداية بين البشر منذ بدء الخليقة حتى تقوم الساعة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.