تراجع كبير في أسعار الذهب عالميا اليوم.. «الأوقية انخفضت 100 دولار في أسبوعين»    تخفيضات تصل إلى 30% بالأسواق الحرة.. انخفاض أسعار السلع الأساسية بكفر الشيخ    صرف صحي الإسكندرية تستقبل وفدا أردنيا للوقوف على الإدارة المستدامة    مسؤول بارز في «حماس»: الحركة توافق على نزع سلاحها حال إقامة دولة فلسطينية مستقلة    أمريكا تطالب إسرائيل بتقديم تفاصيل حول تقارير المقابر الجماعية بغزة    عاجل| الدفاع المدني بغزة يطالب بفتح تحقيق دولي في إعدامات ميدانية ارتكبها الاحتلال    «القاهرة الإخبارية»: تفاؤل حذر في أوكرانيا بعد موافقة أمريكا على المساعدات    هل يوجد تغييرفي مواعيد امتحانات الترم الثاني بعد التوقيت الصيفي؟.. التعليم توضح    مشاركة متميزة لمكتبة الإسكندرية بمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب    «الصحة»: فحص 6 ملايين و389 طفلا ضمن مبادرة الكشف المبكر عن فقدان السمع    رئيس الإنجيلية يشهد افتتاح مكتبة كنيسة المقطم بمشاركة قيادات السنودس    الرئيس السيسي: سيناء تشهد جهودا غير مسبوقة لتحقيق التنمية الشاملة    شوشة عن إنجازات سيناء الجديدة: مَنْ سمع ليس كمَنْ رأى    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    البحرية البريطانية: بلاغ عن حادث بحري جنوبي غرب عدن اليمنية    الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء "الأونروا" في دعم جهود الإغاثة للفلسطينيين    مواعيد مباريات الخميس 25 إبريل - الأهلي والزمالك في بطولة إفريقيا لليد.. ومواجهة صعبة لمانشستر سيتي    مفاجأة غير سارة لجماهير الأهلي قبل مواجهة مازيمبي    صباحك أوروبي.. بقاء تشافي.. كذبة أنشيلوتي.. واعتراف رانجنيك    الأهلي يصطدم بالترجي التونسي في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    محافظ الغربية يتابع الموقف التنفيذي لكورنيش المحلة الجديد    تحذيرات الأرصاد الجوية ليوم الخميس 25 أبريل 2024    التريلا دخلت في الميكروباص.. 10 مصابين في حادث على صحراوي البحيرة    مصرع وإصابة 10 أشخاص إثر تصادم سيارتين في البحيرة    مدير ميناء العريش: رصيف "تحيا مصر" يستقبل السفن بحمولة 50 ألف طن    حمزة العيلى عن تكريم الراحل أشرف عبد الغفور: ليلة في غاية الرقي    الليلة.. أنغام وتامر حسني يحيان حفلا غنائيا بالعاصمة الإدارية    هيونداي تقرر استدعاء أكثر من 30 ألف سيارة بسبب عيب خطير    لبيب يرافق بعثة الزمالك استعداداً للسفر إلى غانا    الشواطئ العامة تجذب العائلات في الغردقة هربا من الحر.. والدخول ب20 جنيها    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بمحاور القاهرة والجيزة    فرج عامر: لم نفكر في صفقات سموحة حتى الآن.. والأخطاء الدفاعية وراء خسارة العديد من المباريات    «الإسكان» تسترد 9587 متر مربع من الأراضي المتعدى عليها بالسويس الجديدة    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    هل يوجد فرق بين صلاتي الاستخارة والحاجة؟ أمين دار الإفتاء يوضح    تنتهي 11 مساءً.. مواعيد غلق المحلات في التوقيت الصيفي    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    الصحة: 3.5 مليار جنيه لإنجاز 35 مشروعا خلال 10 سنوات في سيناء    احتجاجات طلابية في مدارس وجامعات أمريكا تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة    حبس المتهم بإنهاء حياة شخص بسبب الخلاف على المخدرات بالقليوبية    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    مشاجرات خلال اعتقال الشرطة الأمريكية لبعض طلاب الجامعة بتكساس الرافضين عدوان الاحتلال    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    المنيا.. السيطرة على حريق بمخزن أجهزة كهربائية بملوى دون خسائر في الأرواح    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    تقسيط 30 عاما.. محافظ شمال سيناء يكشف مفاجأة عن أسعار الوحدات السكنية    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بومبيو وإخضاع إيران.. محاذير وعقبات
نشر في الأهرام العربي يوم 24 - 05 - 2018

هناك علاقة جدلية بين الإستراتيجيات والسياسات التنفيذية، وبينهما ما يسمى العمليات التعبوية. الأولى تعنى بتحديد الأهداف الكبرى التى يسعى طرف ما إلى تحقيقها بعد حين من الزمن، عادة ما تكون أهدافا عالية القيمة بعضها يدخل فى صميم الأحلام الكبرى، وهو حق مشروع فى أى إستراتيجية طموح. أما السياسات التنفيذية فهى الجانب العملى الذى يحقق تغيرات على الأرض بحيث تؤدى بعد فترة إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية تدريجيا. أما الجانب العملياتى فيتعلق بتعبئة الموارد والمؤيدين وخلق بؤر الارتكاز التى تنطلق منها السياسات التنفيذية. التعبير عن الأهداف الكبرى لا يعنى بالضرورة أنها قابلة للتحقيق، بل فقط هى موجهات للأطقم التنفيذية حتى يفعلوا ما يمكن فعله من أجل الوصول إلى تلك الأهداف وفقا للموارد المتاحة والتى يمكن تعبئتها.
هذه التفرقة مهمة حتى يمكن الحكم العملى على ما وصفه وزير الخارجية الأمريكى بومبيو بأنها أعنف وأشد إستراتيجية أمريكية تجاه إيران، التى سعى من خلالها إلى التأكيد على أمرين متكاملين، أولهما خطورة السياسات الإيرانية سواء فى مجال التسليح خصوصا الصاروخى والخبرات النووية والامتداد الإقليمى فى عدد من الدول المجاورة، وعدم تحسين مستويات المعيشة للشعب الإيرانى. ثانيهما المطالب التى تراها الولايات المتحدة أساسية وواجبة التنفيذ من قبل إيران حتى يمكن لواشنطن لاحقا أن تعيد النظر فى العقوبات وربما تعيد العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وأن تسمح بعد ذلك للشركات الأمريكية بالتعامل مع إيران لتحسين أوضاعها الاقتصادية. الأمر على هذا النحو مزيج من العصا والجزرة.
مشهد تخيلى
أشد العقوبات وأقساها هى التعبير الذى استخدمه وزير الخارجية الأمريكية باعتبارها الوسيلة الرئيسية التى اعتمدتها بلاده حسب قرار الرئيس ترامب ليس فقط للضغط على إيران، وإنما أيضا الضغط على كل من يتعاون معها فى مجالات حيوية كالنفط والغاز وصناعة السيارات وشراء الطائرات المدنية والتعاملات المالية والتجارية بوجه عام. بهذا المعنى فإن العقوبات المشددة هى الوسيلة الرئيسية التى تعتمدها واشنطن من أجل إخضاع طهران لكى تقبل بجميع المطالب الاثنى عشر التى فصلها بومبيو، التى كل منها بحاجة إلى سياسات تنفيذية فى أكثر من مجال وأكثر من منظمة إقليمية ودولية، فضلا عن مدة زمنية لن تقل عن عدة سنوات. فعلى سبيل المثال فلو تصورنا جدلا أن إيران قبلت مطلب تفكيك جميع قدراتها النووية، وأعلنت عن كل مستندات برنامجها النووى، وقبلت تدمير معمل «أراك» للماء الثقيل، وتخلت عن قدراتها فى مجال التخصيب النووى، وقبلت أيضا أن يقوم ممثلو الوكالة الدولية بالدخول إلى أى موقع عسكرى أو مدنى للتأكد من التزامها بالمطلب الأمريكى على نحو مثالى، فكم من الزمن يحتاج العالم للوصول إلى اتفاقات فنية وتفصيلية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لتحقيق هذه الأمور، ثم كم من الزمن يحتاج العالم لكى يتأكد أن إيران انصاعت تماما لهذا المطلب وحسب؟ الجميع يعلم أن مثل تلك الأمور بجوانبها الفنية والسياسية تحتاج إلى سنوات وليس شهورا لوضعها فى إطار قابل للتنفيذ، ثم سنوات أخرى لمواكبة التنفيذ والتحقق من الالتزام الشفاف. يُفترض فى مثل هذا المشهد التخيلى أن العقوبات ستظل موجودة بل وستكون قابلة لمزيد من التشديد، وفى مثل هذا الموقف يظل التساؤل قائما هل يمكن أن يقبل شعب مثل هذا السيناريو، الذى ينطوى على إذلال ومهانة وبدون أن يكون له أى عائد؟
ما يقال عن هذا المشهد المُتخيل يمكن أن يُقال أيضا عن باقى المطالب، مثل وقف صناعة الصواريخ الباليستيية، وسحب القوات الإيرانية الرسمية أو القوات الرديفة كالحرس الثورى والباسيج ومجموعات الشيعة المسلحة والمنتشرة فى العراق وسوريا على وجه التحديد، ووقف المساعدات بأشكالها العسكرية والمالية والاقتصادية لحزب الله اللبنانى ولجماعة أنصار الله الحوثية فى اليمن، فكل هذه المجالات إن قبلت بها إيران ستكون بحاجة إلى اتفاقات مفصلة تجمع بين أكثر من طرف، بالإضافة إلى نظم تحقق لغرض الالتزام وأدوار للأمم المتحدة وقرارات من مجلس الأمن وهكذا، ثم يأتى السؤال الأكبر: هل يتصور أحد أن تعلن طهران فى وقت قريب ومن طرف واحد سحب قواتها من سوريا وفك أى علاقة مع حزب الله وجماعة أنصار الله الحوثية فى اليمن وتفكيك جميع الميليشيات التى دربتها وسلحتها ومولتها فى العراق وأفغانستان؟ كل ذلك وهى واقعة تحت تأثير العقوبات الاقتصادية ودون أن يكون هناك أفق لما بعد هذه الخطوات المتخيلة؟ ثم أين متغيرات السياسة الداخلية الإيرانية من كل هذه الخطوات التى تضرب فى الصميم تركيبة إيران السياسية والمؤسسية والفكرية؟
خبرات التاريخ
خبرات التاريخ كله تقول أمرين بارزين ولا جدال فيهما؛ الأول أن العقوبات الاقتصادية وحدها قد تؤثر على الحالة الاقتصادية للبلد المعنى، ولكنها تفشل تماما فى تغيير سياسات النظام الحاكم أو تؤدى إلى تغيير النظام، بل أحيانا تؤدى إلى عكس غرضها. حالة كل من كوبا وكوريا الشمالية تثبتان هذه النتيجة جملة وتفصيلا. الأمر الثانى أن انصياع أية دولة لمطالب تعجيزية تتضمن تخليها عن جميع مقوماتها العسكرية والسياسية والأيديولوجية مرهون أساسا بهزيمة ساحقة بعد حرب ضروس. ما حدث مع ألمانيا النازية واليابان بعد قصفها القنابل النووية وكل بلدان المحور يؤكد هذا المعنى. الحرب والهزيمة عاملان رئيسيان فى إخضاع أية دولة.
هذه الخبرات الإنسانية عبر التاريخ ليست بعيدة الصلة عن حالة إيران الراهنة، فبالرغم من كل المصاعب التى واجهتها فى السابق، والمؤكد أنها ستقابل أشد منها فى الزمن المقبل، فهى دولة تشعر بأنها فى حالة تمدد ولديها أصدقاء ومنافذ للتعاملات التجارية للنفط وجميع السلع، والمهم أن لديها قناعات دينية وسياسية بأن التاريخ أضفى عليها عبئا ومسئولية، خصوصا فى هزيمة الأعداء، وبالتالى فإن العقوبات المشددة كالتى تنذر بها واشنطن لن تكون السياسة المناسبة لتحقيق جميع الأهداف الكبرى والتعجيزية التى طرحها وزير الخارجية الأمريكي. والثابت هنا أن نجاعة هذه العقوبات مرتبطة أساسا بأن تكون عقوبات عامة يلتزم بها كل الدول، وتلك بدورها حالة مشكوك فيها، وللوصول إليها لابد من أن تقوم الولايات المتحدة بعمليات ضغط هائلة على عدد كبير من الدول التى لها مصالح كبرى مع إيران، ومن العسير أن تتخلى عنها بسهولة لمجرد أن توافق على الانضمام إلى القافلة الأمريكية. والمثل البارز هنا الصين والتى تتعامل مع إيران فى مجالات متعددة وحجم التجارة السنوية بينهما يفوق 60 مليار دولار، وروسيا ولديها مصالح مع إيران تقترب من 30 مليار دولار سنويا، فمن الذى يمكنه تعويض هذين البلدين عن هذه المصالح الكبرى، ناهيك عن الاعتبارات الإستراتيجية التى تجمع بين روسيا وإيران فى أكثر من قضية إقليمية معقدة، وأبرزها القضية السورية، رغم وجود بعض الخلافات التفصيلية.
هذه المصاعب تعنى أن يد الولايات المتحدة ليست مطلقة فى جذب العالم بأسره ليكون شريكا لها فى إخضاع إيران، وتعنى أيضا أن الأهداف الكبرى لأية إستراتيجية ليست بالضرورة قابلة للتحقق كما يتصورها أصحابها، وبعيدا عن حالات الحرب والهزيمة الساحقة، ستظل هناك حاجة إلى مفاوضات وإلى اتفاقات وإلى تنازلات متبادلة وإلى وثائق جديدة، ومادام أن الولايات المتحدة لن تدخل معترك المفاوضات مع إيران، ستظل الأهداف بعيدة تماما عن التحقق. ومع ذلك فمن المهم التذكير أن إيران ليست فى حالة تسمح لها بتجاهل المطالب الأمريكية تماما، أو النظر إلى العقوبات سواء شارك فيها عدد كبير من الدول أو عدد أصغر باعتبارها تحصيل حاصل. صحيح أن الجماعات والأحزاب المناصرة لإيران يمكن أن تقوم بالنيابة عن إيران بإثارة مصاعب وتحديات للوجود العسكرى الأمريكى فى الشرق الأوسط ولبعض حلفاء أمريكا، ويمكن أن توجه ضربة هنا أو ضربة هناك، لكن سيظل الوضع العام على ما هو عليه. وفى كل الأحوال، وما دام الأمر بعيدا عن المواجهة العسكرية المفتوحة، يمكن نظريا الوصول إلى نقطة وسط، وإلى اتفاق جديد، أما إذا تبدل الأمر من العقوبات المشددة إلى الحرب، فعندها ستتغير جميع المعادلات، وستدفع شعوب المنطقة الثمن الأكبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.