فرحت بجائزة ابن خلدون لأننى أول مصرى يحصل عليها المدرسة المصرية تميل للوضوح أكثر من الدقة لست راضيا عن أجور المترجمين فى مصر
أثرى الدكتور أنور مغيث مدير المركز القومى للترجمة، أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بجامعة حلوان، المكتبة العربية بترجمات مهمة عن الفرنسية، وقد فاز أخيرا بجائزة ابن خلدون - سنجور للترجمة فى العلوم الإنسانية فى دورتها العاشرة، تكريما لعطائه ومسيرته فى الترجمة، ويعد أول مصرى يحصل عليها، ويؤكد أن دعم الدولة للترجمة ضرورى وهى مسألة ليست عيبا والترجمة فى كل دول العالم لا تسير دون دعم الدولة بصور مختلفة.
كيف استقبل الدكتور أنو مغيث نبأ الفوز بجائزة ابن خلدون – سنجور للترجمة فى دورتها العاشرة؟
الجائزة أطلقت منذ 10 سنوات وهى أول مرة تعطى لكاتب على مجمل أعماله، وكنت أول شخص يفوز بها فى هذا الإطار، وحسبما علمت فإن الاختيار تم بإجماع من لجنة التحكيم، كما أننى أول مصرى يحصل عليها، كل هذه العوامل تجعلنى سعيدا بهذه الجائزة التى تشترك فى منحها المنظمة الدولية للفرانكفونية والمنظمة العربية للعلوم والثقافة، ومن الأشياء المفرحة أيضا أنهم لم يذكروا ترجماتى فقط، لكن ذكروا كتاباتى باللغة الفرنسية، التى صدرت فى مجلات فرنسية متخصصة، وذكروا جهودى فى المجال التربوي.
هل الفوز بها وضع على كاهلك مسئولية أكبر خصوصا فى أعمالك المقبلة؟
الدعاية الإعلامية المصاحبة للجائزة تجعل الإنسان معروفا لدى كثيرين، ومعنى هذا أنه من الممكن أن تجد أناسا كثيرين لم ينتبهوا لى أو إلى كتاباتي، فهؤلاء سوف يسألون عن الفائز بالجائزة هل له إنتاج أم لا؟ ومن هنا أحاول الإجادة، سواء فى مجال الإدارة فى المركز القومى للترجمة أم إصدار الكتب.
تترجم عن الفرنسية وهناك من يرى تراجع الثقافة واللغة الفرنسية على المستوى العالمي.. كيف ترى ذلك؟
الثقافة الفرنسية مثلها مثل ثقافات الشعوب الأخرى، يجدر أن نهتم بها، خصوصا أننا لسنا بمفردنا، وحينما نهتم بثقافة معينة لا نكون تابعين لها، فلو رأينا الصين أو اليابان تجدهما يترجمان عن الفرنسية أكثر منا، أما تخصصى فهو ما جعلنى أهتم أكثر بالثقافة الفرنسية، وفرنسا وزنها كبير فى السياسة الدولية، ليس عن طريق السلاح، لكن بالثقافة، وهى من أولى الدول التى أنشأت مراكز ثقافية تابعة لسفاراتها فى كل بلدان العالم، بحيث تكون نافذة لتعريف ثقافتها للشعوب الأخرى، الفرنسيون انتبهوا مبكرا لأهمية المنتج الثقافى والفني، لكن هذا النهج بدأ يواجه تراجعا منذ عهد الرئيس الأسبق ساركوزي، لأنه كان يرى أنه عند استثمار أى أموال فى أى مجال، لابد أن تعود فى نفس العام مع تحقيق الربح، وهذا ما جعل عددا من المراكز الثقافية فى فرنسا، تغلق أبوابها على مستوى العالم، فى حين أن ألمانيا عدد المراكز الثقافية لديها فى ازدياد مستمر.
فى أغسطس الماضى قلت إن 300 كتاب متوسط إصدارات “القومى للترجمة” سنويًا فى حين أنها لم تتعد 100 كتاب فما رأيك؟
هذا كلام غير صحيح، لأن هذه الكتب لم تكن مرتدية طاقية الإخفاء، ولدينا قوائم وفحص فنى من المطبعة، وفاتورة للكتب وتواريخها، فمن حق أى إنسان أن يأتى ويفتش، ويحسب ما أنتجه المركز، وبعدها يحكم علينا، فنحن فى هذا العام - على سبيل المثال - أصدرنا فى حدود 160 كتابا لكن هناك 120 كتابا أخذت أمر طبع، وننتظر خروجها من المطبعة، وبالتالى نحسب هذه الكتب على السنة المنتهية، ما يعنى أن الكتب التى صدرت 280 كتابا فى العام، وكل شيء مسجل بالتاريخ.
يأخذ البعض على المركز أنه يركز على اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية دون غيرها لماذا؟
لدينا قوائم بكل شيء فى المركز سواء عدد الكتب المترجمة أم اللغات التى تمت الترجمة عنها، وسوف تجد أننا ترجمنا من 35 لغة مختلفة، لكن الأغلبية منها تذهب إلى اللغة الإنجليزية، صاحبة النصيب الأكبر فى عملية الترجمة، وتصل إلى 60 % من الكتب المترجمة و15 % للفرنسية والباقى للغات الأخرى، لأن الإنتاج الفكرى والعلمى فى هذه اللغات أكثر من غيره، ونحن فى النهاية نعلم أن بعض الثقافات مهمة، والكتب التى تتم ترجمتها منها قليلة، وهذا يعود إلى ندرة المترجمين، مثل الصينيةواليابانية فنحن نريد أن ننتج منها 20 كتابا مثل الفرنسية، لكن لا نستطيع لأنه ليس لدينا مترجمون ينتجون هذا العدد، ونأمل أن تخرج لنا كليات الآداب مترجمين، يتدربون على الترجمة، لنخرج من المركزية الأوروبية.
ماذا عن “سلسلة الشباب” التى بدأ المركز فى إصدارها؟
صدر منها حاليا حوالى 8 كتب وهى موجهة لقطاع معين من الشباب والشريحة العمرية للقراء من12 إلى 18 سنة، بحيث تعطى فكرة مبسطة عن أهم المفاهيم، سواء فى السياسة أم العلوم أم التاريخ أو الفنون وغيرها، وهى قائمة على حوار ممتد بين متخصص كبير وصحفي، بحيث تصل الصورة إلى أكبر عدد من الناس، وتم ترجمة 15 كتابا منها، ونرى أنها مفيدة جدا لمكتبات وزارة التربية والتعليم ووزارة الشباب، وهى أيضا مفيدة للكبار من غير المتخصصين.
يتهم البعض المركز بالعشوائية فى الأداء، من خلال تراجع مستوى الترجمة كماً وكيفاً، وسوء توزيع الكتب؟
الاختيار ليس به عشوائية، لأننا تبنينا فى المركز ترجمة جميع فروع المعرفة، ونجد منظمات عربية تهتم بالفلسفة والإصدارات العربية الكبيرة، ودور نشر تهتم بالعلوم وتبسيطها، وأخرى تهتم بالقواميس والموسوعات، أما نحن فنصدر كتبا فى العمارة والسينما والتاريخ والمسرح والأدب وعلوم الأطفال وعلم النفس والفلسفة، هذه ليست عشوائية، لكنه اختيار أن نغطى جميع فروع المعرفة.
أما من حيث مستوى الترجمة فنحن ننتج عددا كبيرا من الكتب، ولا نضمن أن تخرج جميعها بمستوى واحد، ولدينا مترجمون كبار وتخرج نصوصهم بشكل بديع، ونحاول أن نحسن الترجمة من خلال التحرير، نحن نعمل على أن يكون النص مترجما بشكل صحيح ولغة مفهومة، أما جمال النص فهذه مسألة ترجع لكل مؤلف.
لماذا لم يستغل المركز منافذ بيع الكتب التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة وهيئة الكتاب، ومن ثم تتكدس المخازن بالكتب، التى تتعرض للرطوبة والتلف دون أن تقرأ؟
لقد وقعنا بروتوكول تعاون مع هيئة الكتاب، ليتم الحساب بعد 6 أشهر، فمثلا لو أعطيناهم 200 كتاب يعود لنا 160 كتابا منها، البعض يقول إن الكتب تدخل منافذ الهيئة، وتخرج بنفس ربطتها، هذا ما سمعته، ولا أتهم أحدا، فى النهاية المحصلة غير جيدة، نحن نعتمد على منفذ البيع الموجود بالمركز، ثم معارض الكتاب والمعارض الجوالة فى الجامعات المصرية، وهذا العام حدث تقدم نوعى وأصبح لدينا منفذ بيع فى جامعة عين شمس، وآخر فى جامعة القاهرة، سيتم افتتاحه قريبا، وبذلك ستكون لدينا ثلاثة منافذ، بعدها سنتوجه للجامعات الإقليمية والمحافظات، لأن الجامعات هى مقر بيع كتب المركز فى الأقاليم، وأدعو المحافظين الحريصين على الثقافة فى محافظاتهم، للتعاون معنا، وإعطاء المركز قطعة أرض صغيرة، 12 مترا لعمل منفذ عليها، وبعدها نخاطب المالية لتوفير الدعم اللازم، وهذا سهل، فالموضوع ليس معقدا.
هل تعتقد أن المدرسة المصرية فى الترجمة لا تزال تحتل الصدارة مثلما كانت فى الماضي؟
المدرسة المصرية تحتل الصدارة فى مجال وضوح الترجمة، وهناك جهد مشهود للمغرب العربي، وفى الخليج ينفقون جيدا على الترجمة، ويصدرون كتبا جيدة، وفى بيروت هناك المنظمة العربية للترجمة، وهذا شيء يفرحنا جميعا لأننا فى خدمة القارئ العربي، والمركز هدفه نشر الترجمة، وليس احتكارها، ولهذا وقعنا اتفاق نشر مشتركاً مع دور النشر الخاصة، وهناك بعض الطلاب يشتكون من صعوبة الأسلوب المغربى فى الترجمة، أما الأسلوب المصرى فهو الأوضح، فالدقة والوضوح معضلة للمترجم، والبعض يهتم باللغة حتى لو خرج النص غير مفهوم، والمدرسة المصرية تميل للوضوح أكثر منها إلى الدقة.
هل تراجعت الدولة عن دعم الترجمة أخيرا؟
المركز القومى للترجمة، برغم إمكاناته المحدودة، ينتج أكثر من المراكز العربية للترجمة مجتمعة، فدعم الدولة هنا ضروري، والترجمة فى كل دول العالم لا تسير بدون دعم الدولة، فمنذ أن أنشأ المأمون بيت الحكمة فى بغداد، أصبحت الدول تتبنى دعم الترجمة، وهنا نتمنى أن تهتم الدولة بمشروع الترجمة العكسية.
هل معنى ذلك أن على المترجم أن يجيد لغته الأم واللغة المكتسبة بالدرجة نفسها؟
هذا هو الوضع الأمثل، أن يجيد الشخص اللغتين بنفس الدرجة، لكن العبرة فى النهاية فى النص، الذى يخرج باللغة العربية، وبالتالى لا بد أن يكون المترجم متمكنا من اللغة العربية، لأنها أهم كثيرا من اللغة التى يترجم منها، لأن لديه حيل البحث فى القاموس، وسؤال الأصدقاء، لكن لكى يخرج لغة عربية سليمة وجميلة، فإن هذا يستدعى أن يعرف اللغة العربية جيدا.
كيف ترى الجيل الجديد من المترجمين؟ هل أنت راض عن أجور المترجمين المصريين؟
الجيل الجديد من المترجمين لديه مشكلة، برغم أن هناك زيادة فى التعرف على اللغات الأجنبية، لكن ليس هناك إقبال على الترجمة، وأما المقابل المالى المعروض فى الترجمة فهو غير مجز، فلكى نجدد جيل المترجمين العظام، لابد من حل هذه المشكلة مع جيل الشباب، وقد بدأنا نسبيا فى حلها من خلال دورات تدريب بالمركز القومى للترجمة، ودورات أخرى فى البلاغة والنحو، وعموما فإن الأجور التى يتقاضاها المترجمون فى مصر ضعيفة، مقارنة بما يبذلونه من جهد، الترجمة عملية شاقة، فضلًا عن كونها عملًا نبيلًا، ولذلك يشعر المترجم بالإحباط، عندما يترجم كتابا لأكثر من ستة أشهر، ثم يجد المقابل ضعيفا.
البعض يقول إن الترجمة تتخذ ميولاً قد تؤثر سلباً فى تقديم المنتج الثقافى العربى للغرب، ما رأيك؟
بالعكس أرى أنه عند العرب أعمال عظيمة ومهمة وجديرة بالترجمة، لكن للأسف ليست هناك إرادة لتحويلها للغات أجنبية، والمشكلة هى عندما يقوم ناشر أجنبى بالاختيار من ثقافتنا ويقوم بترجمتها، إنهم ينظرون إلى إنتاجنا من خلال نظرة استشراقية.
على من تقع مسئولية ترجمة الأدب العربي؟
المشكلة تقوم على أننا من يختار ويترجم ويطبع ويوزع، فلا يشترى ما نترجمه أحد، فنضعه فى المخازن، المفروض أن تتغير هذه الفلسفة، لأنهم فى الغرب يختارون ويطبعون، فلابد من تقديم الإغراءات للمترجم والناشر الأجنبي.
ما الفرق بين الأديب والمترجم؟ هل من الضرورة أن يكون مترجم الأدب أديبا؟
ليس بالضرورة أن يكون أديبا، لكن على الأقل يتذوق الأدب، فهذا يعود على النص المترجم بالفائدة، وهذه المشكلة نواجهها كثيرا مع شباب المترجمين، فالنص الأدبى يحتاج من المترجم إلى التأنى والتمهل فى اختيار الصيغة القريبة للمعني.
كيف تقيم الجوائز فى عالمنا العربى خصوصا فى مجال الترجمة؟
المشكلة فى موضوع الترجمة أن الدعم الذى يخرج فى شكل جوائز غير كاف، فنحن نختار كتابا ما لجائزة برغم أن هناك 10 كتب أخرى جيدة، وتستحق الإشادة بها، وليس هناك وسيلة أخرى لإلقاء الضوء عليها، فى حين لو أردنا دعم الترجمة حقا، فلابد من إنفاق جزء من هذه الأموال على ورش تدريب للمترجمين ودراسات فى الترجمة.
كيف يتعامل المركز مع حقوق الملكية لأصحاب الكتب المترجمة؟
نحن نتمسك بحقوق الملكية فى المركز، لأننا هيئة رسمية تتبع الدولة، ولا يجوز أن يتهمنا ناشر أجنبى بالسرقة، وعندما نقوم بالنشر المشترك مع دور النشر الخاصة نطالبها بتقديم ما يثبت أنها أخذت حق الملكية الفكرية لهذا العمل، والكتب التى تم دفع مقابل مادى لترجمتها أكثر من الكتب التى سقطت عنها حقوق الملكية الفكرية، حتى نستطيع مواكبة أحداث العصر الحديث.
ما آخر إصداراتك؟
المركز القومى للترجمة يلتهم أغلب وقتي، لكننى أحافظ على مقال دورى ينشر فى جريدة الأهرام، لكى لا أكون غارقا فى الإدارة، وبالطبع كونى مديرا للمركز ليس من حقى إصدار كتاب فيه، ومن وقت لآخر أقوم بنشر ما أترجمه فى دور نشر خاصة، وقد صدرت لى ترجمة كتاب “لماذا نقرأ الفلاسفة العرب؟” وهو كتاب أصدره فرنسى من أصل مغربي.
ما رؤيتك المستقبلية لتطوير المركز؟
مازلنا نعمل دورات تدريبية للشباب، ونتعاون مع الجامعات فى هذا الموضوع، ودورات لتصحيح النصوص لخريجى اللغة العربية، ولدينا برنامج ندوات مهم، ونستضيف المؤلفين الأجانب الذين لديهم كتب بالمركز، وما أتمناه هو أن يصبح لدينا رصيد مالي، يسمح بتشجيع الترجمة العكسية من العربية إلى اللغات الأجنبية.