يبدو أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات جوهرية بعد القمة الإسلامية - الأمريكية، التى عقدت بالرياض، فالقمة التى شهدت اجتماعات متصلة ومنفصلة بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وزعماء وقادة الدول العربية والإسلامية والخليجية، سعت لتغيير محورية الرؤية العربية تجاه قضايا المنطقة ليصبح الإرهاب مع التركيز على إيران العدو المشترك للسعودية وواشنطن، وبوصف طهران منبع الإرهاب الذى يجب على العالم أن يتحد لمواجهته. كما رحب البيان الختامى للقمة العربية الإسلامية الأمريكية بتوفير 34 ألف جندى كقوة احتياط لدعم العمليات ضد الإرهاب فى العراقوسوريا وهى الدول التى تتمتع فيها إيران بنفوذ واسع. النظرة الأمريكية للإرهاب واختصارها فى إيران وأذرعها المسلحة بالدول العربية يجعل من القضية السورية جزءا كبيرا من محور صفقة القرن التى يجهز ترامب لعقدها مع الدول العربية. فأين تقع سوريا من صفقة القرن وما التأثيرات المترتبة على الأزمة السورية بعد التحالف الإسلامى الأمريكى وإلى أين يتجه المستقبل السورى فى ضوء هذه التحالفات الجديدة؟ أسئلة كثيرة نسعى لحلها من خلال السطور التالية..
حرب مذهبية المفكر السورى بير رستم يرى أن القضية الأهم فى الزيارة التاريخية للرئيس الأمريكى هو خلق الأزمات واستدامة ما تم تسويقه ب"الفوضى الخلاقة" وذلك لإعادة ترتيب خرائط جديدة ل"الشرق الأوسط الجديد" ووفق ما تقتضيه مصالح السياسات الأمريكية. وأوضح أنه لإعادة رسم تلك الخرائط وتوزيع الأدوار والنفوذ، لا بد من خلق أزمات وحروب وفوضى، وذلك بعد استهلاك ما عرف بصراع شعوب المنطقة على أسس عرقية، وذلك لكى تبقى على تدفق النفط من الشرق للغرب والسلاح بالاتجاه المعاكس.. "!! أما بخصوص ارتدادات الزيارة على الملف السوري، فأكد رستم أن الأمريكان وبعد ربط عجلة الاقتصاد السعودى بأمريكا، سيجعلون السعوديين يقتنعون بأن وجود قواتهم على الحدود العراقية الأردنية - والذى يعنى قطع الهلال الشيعى الإيرانى- هو بمثابة حماية لأمنهم واقتصادهم من أى تهديد إيرانى بإيصال خط نفطها للبحر المتوسط، وبالتالى تكون بذلك أخذت موافقة المملكة والخليج ومباركتها على منطقة النفوذ الأمريكى فى الشمال والشرق من سوريا، بل جعلت الخليج والسعوديين يقومون بتمويل قواتهم وعملياتهم العسكرية هناك حيث صفقة المليارات هذه هى بمثابة التمويل لها، فمنها ما تفوق المائة مليار دولار للإنتاج الحربي. واعتبر أن الزيارة جاءت لاستنزاف ثروات المملكة العربية السعودية والخليج عموماً، وذلك من خلال جعل إيران «بعبع» فى وجه تلك الدول، برغم أن فى قدرة الغرب لجم هذه الأخيرة - لو أرادوا ذلك- ومن جهة أخرى؛ فإنها تهدف إلى تغيير مسار الصراع فى المنطقة من صراع عربي - إسرائيلى إلى صراع سني - شيعى، وبالتالى إعادة إنتاج الصراعات والأزمات والحروب، لكن على محور أيديولوجى آخر؛ دينى طائفى بدل المحور الإثنى الأقوامي، كون هذا الأخير بات محوراً صدأً ولم يعد يحرك صراعات المنطقة بالشكل المطلوب، فكان لا بد من محور آخر وقد وجدوا فى الفكر الدينى المتشدد «الشيعى والسنى» ما كانوا يبتغونه.. وإن كان على حساب أمن وسلامة وحرية شعوب الشرق الأوسط بكل مكوناتها القومية والدينية والمجتمعية.
رأس بشار من جانبه أكد الباحث السورى سليمان يوسف، أنه لا يستبعد أن يكون رأس بشار الأسد ثمن صفقة القرن الاقتصادية بين ترامب والسعودية، خصوصا أن زعماء الخليج يربطون ظاهرة الإرهاب فى سوريا والمنطقة بوجود النظام السورى ومن خلفه إيران.. وأوضح ل"الأهرام العربى" أن مصير النظام السورى ومستقبل بشار سيترك لمرحلة ما بعد الانتهاء من داعش فى سورياوالعراق، كما أنه لا حل سياسيا فى سوريا قبل القضاء على داعش فى سوريا، مشيرا إلى أنه بعد الخلاص من داعش سيبدأ العد التنازلى فى عمر النظام السورى، بمعنى أن أمريكا وحلفاءها لن يقبلوا ببقاء بشار فى السلطة فى أى حل سياسى للأزمة السورية. وتوقع أن تعزز أمريكا فى الأسابيع والأشهر المقبلة من وجودها العسكرى على الأرض السورية، للإسراع فى القضاء على داعش ولتقوية دورها وحضورها فى أى حل سياسى للمعضلة السورية، مشددا على أن أمريكا لن تسحب قواتها من سوريا طالما بشار الأسد على رأس السلطة، وبهذا سيكون ترامب أوفى بوعده لملك السعودية.. فرصة ذهبية الباحث اللبنانى فادى عاكوم، يرى أن المشهد السورى بعد قمة الرياض لن يكون كما قبلها، وستشهد الساحة السورية الكثير من المتغيرات الكبيرة، وسيكون أولها العمل على تخفيض نسبة المناطق المشتعلة وتقليص الوجود الإيرانى الذى بدأ التلويح به من قبل حسن نصر الله زعيم حزب الله الذى لوح ببدء انسحاب حزبه من سوريا بعد تأدية المهمة بنجاح، مشيرا إلى أن هذا التصريح محاولة استباقية من إيران للإفلات من المرحلة المقبلة. واعتبر عاكوم فى تصريحات خاصة أن إعلان الرياض الصادر عقب القمة الإسلامية الأمريكية التى عقدت فى الرياض، يتميز بالعديد من النقاط من بينها الموقف الواضح من إيران ووضعها على مسافة واحدة من الإرهاب المنتشر فى العالم، والتلويح بعقوبات قادمة على طهران، أما النقطة الأهم فى البيان فهى تشكيل قوة عسكرية للتدخل فى سورياوالعراق، وهى خطوة جرى الكلام عنها سابقا إلا أن الدعوة لها لم تكن تنطلق من أسس ثابتة وعملية. وبحسب الباحث، فإن الفرصة قد تكون ذهبية للتخلص من ثنائية الإرهاب وإيران خصوصا فى سوريا التى تتمدد بها دولة الملالى بشكل كبير، مشيرا إلى أن ما يجرى فى الكواليس السياسية يتفق مع ما المخطط القيام به من إجراءات عسكرية متوقعة، خصوصا من ناحية الاتجاه إلى المناطق الآمنة الذاتية الحكم التى لابد أن تتولى قوة عسكرية محايدة للفصل بين القوات الحكومية السورية وبقية القوات المعارضة التى ستبقى على الأرض بعد الانتهاء من معركة داعش. وحول العقوبات الجديدة المنتظرة تجاه إيران، يرى عاكوم أن الاتجاه سيكون نحو أدلة دامغة مستندة على اقتحام المبانى الدبلوماسية السعودية فى إيران، بالإضافة إلى قيام إيران بتجربة بعض الصواريخ الباليستية والتى يحظر تصنيعها وتجربتها حسب الاتفاقات الدولية، يضاف إليها بالطبع مسألة نقل المسلحين والأسلحة لمناطق النزاع فى سورياوالعراق وهو أمر محظور دوليا هو الآخر، وهذا الأمر يستند على أدلة دامغة تتعلق بآلاف المسلحين الذين نقلتهم إيران من العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان للقتال فى سوريا.
موسكو تعرقل الصفقة بدوره يرى المفكر الأردنى ميشيل حنا، أن سوريا لن تدخل ضمن ضحايا الصفقة الاقتصادية الكبرى بين ترامب والسعودية نظرا للدور الروسى الذى سيقف فى مواجهة أى تدخل أمريكى. وتوقع حنا فى تصريحات خاصة أن يكون لواشنطن دور مهم فى المعركة ضد الحوثيين فى اليمن، مرجحا أن تكثف الولاياتالمتحدة عملية تزويد السعودية بالمعلومات الاستخباراتية والتوجيهات والإرشادات الحربية لمساعدة السعودية على الحسم وتحقيق نصر عسكرى باتت بحاجة ماسة إليها خصوصا ولى ولى عهد السعودية وزير الدفاع الذى يقف وراء صفقة السلاح الضخمة، والساعى لتحقيق نصر ما يعزز صورته ويقدمه كنابليون العصر الحديث .
تقسيم غير معلن أنس القصاص، الباحث المصرى فى العلاقات الدولية، يرى أن سوريا ستظل ساحة صراع مفتوحة لفترة ما, ولن يحسم الملف السورى بسهولة، معتبرا أن من مصلحة جميع القوى أن تظل سوريا موحدة مع وجود تمثيل إستراتيجى للقوى الفاعلة فى سوريا يتماشى مع الواقع المفروض منذ فترة. وأوضح القصاص ل"الأهرام العربي" أن ما يشاع عن تحالف سنى لمواجهة إيران فى المنطقة ستكون العراق على رأس أولوياته قبل سوريا، خصوصا أن العراق هو نقطة التمحور الإستراتيجى الإيرانى فى المنطقة وإضعاف إيران فى العراق سيضعفها فى سوريا ويستنزف حزب الله، وهى كذلك مهد الدواعش وصاحبة الحضور الداعشى القوى لاسيما فى الموصل. وتوقع أن تقوم تركيا بدور فى رفع العراق كأولوية فى هذا التحالف من أجل عدم الاصطدام مبكرا معه حول سياسة التعامل مع الأكراد. وبالنسبة للمشروع الروسى فى سوريا، فالولاياتالمتحدة عبر إسرائيل تقوم بتحويط قدراتها هناك، لاسيما منظومة إس 400 ، حيث وصلت الدفعة الأولى من مقاتلات السيادة الجوية الأحدث عالميا إف 35 إلى إسرائيل منذ أسابيع وهى القادرة بشكل أساسى على اختراق أحدث منظومات الدفاع الجوى الروسية، وهذه تعتبر محاولة لتصفير الوجود الروسي، هذا بالإضافة إلى استغلال قدرات الناتو المنتشرة فى تركيا وشرق المتوسط فى تحجيم القدرات الجوية الروسية والتشويش والتضييق عليها.
تحالف مفكك الباحث العراقى محمد الخاقانى، يرى أنه يمكن أن تكون للقضية السورية حصة فى تسويات مقبلة فى ظل التوجه الأمريكى الجديد والذى يتمخض عن حلف إسلامى شكليا لمحاربة الإرهاب فى المنطقة فى ظل الضوء الأخضر الأمريكى لحليفتها السعودية . وقال الخاقانى ل"الأهرام العربي" إن الحرب على الإرهاب ستشمل العراقوسوريا واليمن لمحاربة إيران بالدرجة الأولى، لأن إيران لديها أذرع قوية فى تلك الدول، مع العلم أن التوافقات فى هذا الحلف من الصعوبة بمكان، فى ظل عدم تجانس أطراف النزاع، تركيا مثلا لديها دور فاعل فى سوريا لكنها ليست على ود مع مصر وعلاقة غير قوية مع السعودية وتختلف مصالحها عن كل ما يدور حاليا فى جو مكهرب سياسيا ومصلحيا، إيران كذلك يبدو أنها المتضرر الأول والأخير من تلك الأحداث المتسارعة عقب إعادة انتخاب روحانى والعزم الأمريكى لمحاربتها مع دعوات اتهامها بدعم التطرف فيما يجرى فى سورياوالعراق واليمن ولبنان. وأشار إلى أن كل تلك الأمور ربما تتغير مع أول اختبار، وهذا ما سيحدث فى سوريا التى لا بد من تسوية سياسية أولا وبضمان روسى - تركى - إيراني.