ثورة علي الثورة منذ بداية شهر رمضان المعظم, وكان قد مر علي ثورة الخامس والعشرين من يناير قرابة شهور ستة, بدأت المحطات التلفزيونية ذات البرامج الحوارية في استضافة حفنة من رموز النظام القديم لكي يحكوا قصة ما جري من وجهة نظرهم التي كانت تضيق وتتسع في الموقف من الثورة حسب موقع الرمز من النظام القديم, والجديد أيضا. مثل ذلك كان فيه بعض من الثورة لأن تراث ما سبق ثورة يوليو احتاج بضعة عقود حتي يعاد النظر فيه سلبا وإيجابا. ولكن الزمن هذه المرة كان مختلفا, فثورة تكنولوجيا الاتصالات, والمحطات التلفزيونية الكثيرة, والبرامج الحوارية المتعددة, جعلت ما كان يستدعي عقودا, يأخذ هذه الأيام شهورا. ولكن ذلك قاد لثورة أخري ضد رموز المرحلة السابقة, أو من عرفوا بالفلول باعتبارهم يتباكون علي ماض آسن وبائس ومأساوي وإجرامي حسب ما تري من ألفاظ سلبية. وهكذا بات الأمر مختلطا للغاية, وربما كان مختلطا حتي قبل قيام الثورة حيث كانت هناك58 محطة تلفزيونية منها31 محطة خاصة ومستقلة ومتخصصة في معارضة النظام; وهذه لم تكن لونا واحدا, كما لم يكن النظام نفسه لونا واحدا بل كان ألونا متعددة حملت تراث ثورة يوليو, وما قبلها أيضا. والحقيقة التي لا يدركها الكثيرين أن التحالف أو الائتلاف كما هو مفضل هذه الأيام الذي قاد ثورة يناير ودفع ببرامج الإصلاح المطروحة في البلاد دفعة كبري إلي الأمام خاصة بعد الإطاحة بقيادات النظام السابق, لم تكن هي الأخري معبرة عن اتجاه واحد, بل كانت فيها اتجاهات متعددة, منها من يريد أن يأخذ البلاد إلي الأمام, ومنها من يريد قيادتها إلي الخلف, ومع هذا وذاك أضيفت صحف يومية ومحطات تلفزيونية ومواقع إلكترونية لاهثة الشعارات وملتهبة الكلمات. مثل هذه التعددية الحقيقية من تيارات الماضي والحاضر تخلق حيوية سياسية تضع قاعدة للديمقراطية في البلاد بحيث يصبح صندوق الانتخابات في النهاية هو الفيصل في تقرير مصير تيارات وحركات وأفكار. ولكن ذلك يقتضي من أجل مصر ومستقبلها قدرا هائلا من التسامح, والقدرة علي الاستماع, والاستعداد للمراجعة لما كان في الماضي, وما يجري في الحاضر. وببساطة فإن القضية ليست الثورة, أو النظام السابق, علي أهميتهما, ولكن القضية هي مصر وإلي أين تسير, وإلي أين تتجه. مصر الوطن والشعب والمجتمع أكبر من ذلك كله [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد