أن الأحداث الجسام لاتقاس بعدد الأيام والشهور والسنين, ولكنها تقاس بما حدث فيها وما أثرت عليه, فبالأمس القريب في25يونيو الحالي مرت نحو5 أشهر علي قيام ثورة25يناير, عندما خرج المصريون يسنشقون نسيم الحرية, التي غابت عنهم كثيرا, فهل سنظل هكذا غير مصدقين أننا أصبحنا أحرارا. هيا بنا ننظر إلي ما لدينا من قوي ذاتية ومقومات نستطيع أن نستخدمها للخروج بأحلامنا إلي بر الأمان.. إلي المستقبل الواعد, يجب ألا ننظر إلي الوراء, بل ننظر إلي ما لدينا ونتأمل ماذا نحن فاعلون, فهذا هو نهر النيل العظيم الذي يجري في أرض خصبة بالخير والنماء لمئات الكيلو مترات وهذه سبعة ملايين فدان من أجود الأراضي الزراعية في العالم, وهذه قناة السويس أهم شريان ملاحي في العالم, وهذه بحيرة ناصر أكبر بحيرة صناعية في العالم, وبجوارها العديد من البحيرات الغنية بالموارد الطبيعية ومايزيد علي ألفي كيلو متر من الشواطئ الجميلة الممتدة بطول البحرين الأبيض والأحمر في بانوراما سياحية رائعة, ومعنا ثلث آثار العالم, وتلك الثروات الضخمة من الغاز الطبيعي والبترول والمعادن التي تنتشر في صحاري وشواطئ مصر, يغلفها طقس جميل ومناخ هادئ لاتهدده العواصف ولا الزلازل أو البراكين, وموقع استراتيجي له عبقرية لايمكن نكرانها, وأخيرا ذلك المعين الذي لاينضب أبدا من الموارد البشرية الهائلة التي ارتفعت بعددها إلي مايقارب85مليون مواطن, فلدينا كل مقومات النجاح, فلماذا نعاني اليوم من قصور في توظيفها. تعالوا نفتش وننتقي الكفاءات ونعطيها المسئولية ونحاسبها علي النتائج, إن قوتنا البشرية الهائلة لم يجر بعد استغلالها بالقدر الكافي, ولا حتي بأي قدر, وحين أصبحت الثورة المعرفية المؤدية إلي مجتمع المعرفة اليوم تعتمد أساسا علي المعارف كثروة أساسية وعلي خبرة الموارد البشرية وكفاءتها ومعارفها ومهاراتها لتحقيق التنمية البشرية الشاملة, ساعد ذلك علي استغلال الطاقات الانتاجية بشكل أفضل من ذري قبل, وهنا تصبح مصر الحديثة مرشحة مرة أخري بقوة لشغل مكانها الذي تستحقه ومن ثم تضع الانسان المصري كفاعل أساسي, فهو مصدر متجدد للإبداع الفكري والمعرفي والمادي. أستطيع أن أجزم بأن مصر تستطيع فعل الكثير وأن تقفز أكثر ليس بالانعزال عن العالم, ولكن بوضع خط تمايز بينها وبين العالم خط يؤكد القدرة الذاتية ويستعيد الفرص الضائعة, لقد أهدرت القدرة الذاتية المصرية وبددت واستنزفت في سلسلة من الحروب كلفتنا من الخسائر اثمانا باهظة, بالإضافة إلي أننا لم نستطع إدارة مواردنا البشرية والطبيعية في مصر إدارة علمية تحترم العلم والموضوعية, وفضلنا أهل الثقة علي أهل الخبرة, ولم نضع الرجل المناسب في المكان المناسب وفقا لكفاءته, وعندما يحس ويدرك الإنسان المصري التفاوت الرهيب في الدخول والثروات وأنه لم يعد له نصيب في الثروة الوطنية وتهدر الطاقة الانسانية المصرية, وفي غياب الديمقراطية وحرية التعبير لأكثر من نصف قرن في حياتنا يترتب علي ذلك انحسار دور المواطن في المشاركة الشعبية, وتضعف المؤسسات السياسية والاجتماعية والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية ومؤسسات المجتمع المدني وتصبح علي أحسن الفروض هياكل شكلية, ويتم تهميش دور المواطن المصري كليا, فضلا عن غياب الهدف القومي الذي يجمع كل المصريين, لقد قام نظامنا التعليمي والتربوي علي الحفظ والتلقين بديلا لامتلاك قدرات الإبداع والمبادأة والمبادرة, واليوم فلقد كشفت الثورة ثورة الشباب عن أن الإنسان المصري هو عملتنا الصعبة بل النادرة وعندما اتيحت له الظروف المواتية والملائمة كشف عن قدرته الذاتية الكامنة وحلق إلي آفاق النجوم. د.حامد عبد الرحيم عيد أستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة