في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها مصر, ما أحوجنا مسلمين ومسيحيين إلي التعاون والتكاتف, ومعهما التفكير الناضج الذي ينتج عن عقول واعية مستنيرة تدرك المصلحة الوطنية للمسلمين والمسيحيين معا, وليس كتفكير بعض المتهوسين الذين لم ينظر الواحد منهم. في المسألة الوطنية بأكثر من موضع قدميه.. أقول ما أحوجنا إلي الأفكار الايجابية القادرة التي تبني ولا تهدم, تصون ولا تبدد, تجمع ولا تفرق.. وليس لهذه الأفكار السلبية المتشككة التي لا تصنع سوي زرع الفتنة والفرقة والكراهية والتآمر, وغيرها من أعمال لا ينتج عنها سوي التخريب والتدمير والتقتيل, ومع من؟ مع أبناء الوطن الواحد مسلمين ومسيحيين. وأين؟ في مصر ذلك الوطن الآمن المستقر الذي يعيش في قلوبنا وعقولنا مسلمين ومسيحيين منذ مئات السنين. ومن هذه العقول المستنيرة التي وهبها الله القدرة علي السماحة والمحبة, العلم والثقافة, التفكير والوعي العالم والفقيه القانوني الدكتور إدوارد غالي الذهبي الأستاذ بكليات الحقوق بجامعات مصر والأقطار العربية, ورئيس قضايا الدولة الأسبق. وقبل هذا وبعده هو كاتب موضوعي جاد يزن الكلمة قبل أن يخطها قلمه, ويعطيها حقها من الاستقصاء والبحث. والدليل هذا الكتاب الذي فوق راحة اليد الآن, وعنوانه معاملة غير المسلمين في المجتمع الإسلامي, كشهادة أو وثيقة, لعل صاحبها كان يريد أن يقول من خلالها للمسلمين والمسيحيين معا, امضوا معا علي الطريق في قوة وثبات لضرب كل ما يؤدي إلي الفتنة بينكم, فأنتم وحدكم تمثلون نسيج هذه الأمة منذ ألف وأربعمائه عام, مؤكدا ذلك بالوثائق والشهادات. وعلي صفحات كتابه, تلتقي بفيض من اللفتات الذكية, والتوجيهات السديدة التي تزيل عن النفس الكثير من المثبطات والمحبطات بعد الأحداث الأخيرة في إمبابة وغيرها, حيث يسجل مؤلفه أنه تبين له من أبحاثه ودراساته, أن الإسلام دين العدالة والمساواة والرحمة, المودة وحسن الجوار والمعاملة, خاصة مع أهل الكتاب, وأن التفرقة بين الناس فيما هو دنيوي علي أساس جنسهم أو لونهم أو عقائدهم أو دينهم.. ليست من منهج الإسلام. إذ القاعدة هي المساواة بينهم, لأن الجميع في ديار الإسلام أمة واحدة, أو كما يقول المؤلف: وقد التزم المسلمون علي مدي أربعة عشر قرنا باستثناء عهود الضعف والتدهور التي لم ينج منها المسلمون أنفسهم في تعاملهم مع غير المسلمين بالقاعدة الذهبية التي تقتضي بأن لهم ما لنا, وعليهم ما علينا.. وعلي امتداد ستة فصول يسجل الدكتور إدوارد غالي الذهبي خلاصة قراءاته عن عدالة الإسلام في نظرته إلي غير المسلمين, وما يفرضه التعامل بين الطرفين, مستشهدا بآيات من القرآن الكريم, والأحاديث النبوية الشريفة, ليخلص إلي القول إن اقباط مصر أدركوا منذ الفتح الإسلامي أن اختلاف الدين لا ينال ولا يقلل من وحدة الدم والمصير بين المسلمين والمسيحيين, ولذلك حاربوا في صفوف المسلمين ضد جميع الغزاة والمعتدين من صليبيين وفرنسيين وانجليز وإسرائيليين ليختم قائلا: ودراستنا تكشف بجلاء كيف ان الإسلام قد بلغ شأنا عظيما في حسن معاملة غير المسلمين.. متبعا القاعدة الحكيمة( لهم مالنا, وعليهم ما علينا) تلك التي تضعهم علي قدم المساواة مع إخوتهم من المسلمين ولم يتدخل في شئون عقيدتهم, وتركهم وما يدينون عملا بالآية الكريمة( لا إكراه في الدين) إلي أن يقول: ومن الظلم البين أن يحاسب الإسلام بتصرفات بعض المسلمين. فالعدالة تقضي أن تقاس تصرفات المسلمين بمعايير الإسلام, والعكس ليس صحيحا, إذ لا ينبغي أن يحاسب الإسلام بتصرفات بعض المسلمين, وبعبارة أوضح نقول إن ما يرتكبه بعض المسلمين من أفعال عدوانية, وما ينادون به من أفكار تحض علي الفرقة والفتنة وترويع الآمنين.. كل هذا لا يكون من منهج أو أسلوب الإسلام القائم علي المساواة بين الطرفين. وبعد.. فإن كتاب معاملة غير المسلمين في المجتمع الإسلامي كتاب مهم ينبغي أن يقرأه كل مسلم وكل مسيحي, حتي يتبين كل منهما أن مؤلفه كتبه بروح الدين وسماحته, ومنهج العلم ودقته, واسلوب رجل القانون ونزاهته. المزيد من مقالات سامح كريم