لا يخلو انسان من الهم الخاص. فالحياة ليست نزهة نيلية ساعة الأصيل. والانسان في رحلته فوق كوكب الأرض, يعمل ويحب ويكافح ويناضل ويصلي.. ربما ليؤجل الموت أو يتجنب حتميته المبكرة, والعبارة التي تتردد علي الأذن دوما هي ان الحياة قصيرة مهما طالت. أطباء القلوب ينصحون( اضحكوا قبل ان يصيب العطب شرايين القلب), اطباء النفس ينصحون( قاوموا الاكتئاب كي لا تسقطوا في حفرة الجنون), أصحاب التجارب ينصحون( لا تسلموا دفة مراكبكم لامرأة خشية الغرق). هذه النصائح ذات الصيغة المدرسية نظريا صحيحة, ولكن عمليا تبدو بالغة الصعوبة, فالضحك شح والاكتئاب فاتح فاه والمرأة تجلس علي الدفة بإرادتنا أو بدون, والهم العام يبتلع في جوفه الهموم الخاصة ويبقي في الحلق غصة وفي العين دمعة, نحن محاطون بالعنف بكل أشكاله وصوره وأطيافه ولم يعد في الغابة هديل الحمام أو زقزقة العصافير, صارت الحياة مغامرة لكي تنجو من انهيار عقار أو طرد مفخخ أو نسف انتحاري أمام بيوت الله. انقسمت الحياة الي عشاق الحياة وأعداء الحياة, ومساحة شرور أعداء الحياة تكبر والضحايا لا تحصرهم الاحصاءات الرسمية. حتي الطبيعة غضبت ذلك الغضب القاني, فسقطت يوما صخور المقطم في الدويقة فوق الناس وبهدلت السيول في اسوان والعريش بيوتهم, وطردت الفيضانات البشر في العالم من غرف نومهم وأطبقت المناجم في بلدان اخري بفكها علي عمال نزلوا الي أعماقها. الانسان هو الإنسان في أي مكان أمام المأساة, يبكي ويصرخ ويلتاع من الفراق, وفي عالم مشحون بالعذاب والنكبات يصادر الإنسان همومه الخاصة ويصاب بدوار غير مفهوم وتعتريه قشعريرة الخوف من اللحظة القادمة وبم هي حبلي؟ ولعل أشد ألوان الحزن وأكثرها قتامة هو الحزن العام الذي يكسو البيوت والاسطح والاشجار ويسري في الشارع ويدخل المسجد والكنيسة وينام في حضن العجائز والاطفال. وقيمة الحزن العام انه يتحول الي سبيكة غضب تضيع فيه ملامح الهم الخاص, فالخاص صار العام, قيمة الحزن العام انه يوحد المشاعر والأحاسيس وينسف الخلافات والعصبيات, الحزن العام يأخذ شكل المشروع القومي العام يستفز الايدي البناءة والقلوب المشتاقة والعقول الطموحة, الحزن العام يفتت التفاصيل ويتشبث بأمهات الأشياء, الحزن العام آذان مغربية يدعو الناس للصلابة في مواجهة قوي الشر, دقات أجراس تدعو الناس للوعي بكيان أمة لن تنجرف لهاوية, الحزن العام يجهض محاولات الوقيعة بين الناس بسبب ملة أو انتماء, الحزن العام يذيب الخلافات المذهبية وينكس رايات الوطن احتراما لمصابه الفادح, ولسنا وحدنا أصحاب مصاب فادح ودماء غارقة, هناك حادث نشر غاز السيارين في نفق قطار يابانية, وحادث تفجير طائرة فوق سماء لوكربي, وتفجير المبني الفيدرالي في أوكلاهوما الأمريكية. ومذابح ضد المدنيين في قانا ودير ياسين وتفجيرات الرياض في الخبر بالسعودية وتفجيرات سفارات امريكا في نيروبي ودار السلام تورط فيها تنظيم القاعدة, وفي11 سبتمبر2001 كان حصيلة الضحايا نحو ثلاثة الاف قتيل وتكبد العالم خسائر مادية باهظة وخسائر معنوية بعرض الأفق.. ودخلت قواميسنا كلمة ارهاب أي ترويع الامنين هل يعزف الارهاب لحنه الجنائزي علي أوتار أعصاب عارية في مجتمع من المجتمعات ووجد ضالته في مصر في ترويع المصلين في بيوت الله؟ ولم لا؟ هل مواقع النت المفتوحة لصنع قنبلة تجند شباب جاهل بلا أمل ولا عمل لتنفيذ عملية انتحارية مخطط لها في ليل حالك الظلام, ولم لا ومن أطبق بسكين في رقبة نجيب محفوظ لم يقرأ حرفا لنجيب محفوظ ولا يعرف القراءة أساسا؟! هل يتحول العابر للشارع في مصر مثل العابر بأحد شوارع لندن أو باريس حيث تظهر صورته علي مدي ساعة من كاميرات غير منظورة مزروعة في الشارع وداخل وخارج بنك أو متجر كبير أو مؤسسة أو سفارة؟.. ولم لا, والشك يحكم المدينة والريبة تسري في الأوصال؟ غريب أمر الانسان المتحضر. لقد حقق انجازات هائلة في العلم والتكنولوجيا ومشي علي سطح القمر وتنقل بسرعة فاقت سرعة الصوت وجعل من الأقمار السابحة في الفضاء وسائل لنقل أخبار الكون وكأنه قرية, هذا الانسان ذاته احترف الابادة البشرية وأدمن القتل بالغاز والعبوات الناسفة وأهدي الحياة الخوف والغصة في الحلق والدمعة في العين والرعشة في الشفاة. إن الأمن وحده لا يصنع رخاء الطمأنينة انه يتربص لأعداء الحياة ولكنه لا يستطيع فلترة تربة خصبة بالتوتر والاحتقان والظلم, للحكومة دورها في الابحار في قاع المجتمع وللمسجد دوره في التوجيه لوسطية الاسلام وللكنيسة دورها في حمل مشاعل المحبة والتسامح, مصر ليست قرية ظالمة, مصر أم كبيرة ترضع أولادها القوة والانتماء وحين تحاصرها المحن فهي تجد من سواعد أبنائها الاشداء رعاية, شريطة أن ترعاهم بحنان يذيب الصخر والعناد, ويا أقباط2011 نعافر مع النظام بثقة, نعم, نستقوي بالخارج لا, نفهم أجندة الاعداء.. نعم, تشحنون أنفسكم بالبغض لإخوتكم لا, نقف خلف قيادات حكيمة قلبها ع البلد.. نعم, نلقي الطوب وحجارة الجهل علي أمن مصر.. لا, ترتفع أصوات المآذن الله اكبر وتأتي تراتيل الكنائس, مبارك الآتي باسم الرب نعم, نحتقن, نغلي ننفلت بضلال.. لا لا لا.