مما أرقني كثيرا جدا وحيرني وأقض مضجعي ليالي طويلة ومريرة تفكيري الدائم في أحوال المسلمين المعاصرين وما آلوا إليه وهم ما يقرب من مليارين من البشر في عالم وصل إلي القمر وفي السبيل إلي سكناه ولم أجد ملجأ يرحمني إلا الإيمان. بأنها حكمة الله الذي خلق الانسان في أحسن تقويم وميزه عن المخلوقات كلها بأن أعطاه العقل وحرية الارادة في نطاق القدرة العليا وأهله لأسمي مكان في الدنيا والآخرة وهو أن يكون خليفة الله في الأرض وليس ذلك بالأمر اليسير. وفي ظلمات الحيرة القاتلة لسعتني الشرارة الحارقة وأوحت إلي مداركي المحدودة بأنه كتب علينا الآن أن نواجه الامتحان الأكبر وهو أن تهدم القدس الشريف تحت أعيننا, ذلك الأمر الذي يكشف كل عوراتنا ويعرينا أمام الناس والملائكة الذين سجدوا لنا بأمر ربنا. وأخيرا رأيت وسمعت ما أفقدني عقلي أو كاد لولا رحمة ربي رأيت بعيني أم رأسي شيخا جليلا مهيبا أحبه واحترمه جدا وأترك طعامي أمام أولادي لأشاهده علي الشاشة وحين لقيني مرة ذكرني بأنه يعرفني منذ زمن طويل حين كنا شبابا وكنت طالبا بكلية الحقوق بجامعة فاروق, وكان طالبا بالمعهد الأزهري وكنا نلتقي في قيادة المظاهرات ونفتح صدورنا لرصاص الانجليز ولا نهاب الموت في سبيل الله والوطن. وأذهلني أخيرا أني رأيته بشحمه ولحمه علي شاشة الجزيرة ومعه غيره من أقرانه يقولون للناس لا تزوروا القدس الآن لأن ذلك اعتراف باسرائيل, والغريب أن المذيعة الصغيرة كانت تضحك في سخرية منهم. فقد فات هؤلاء الجهابذة وأمثالهم أن القدس تهدم وأن الحرب بيننا وبين اسرائيل قد تطورت وتقدمت واختلفت الأوضاع فيها والواجب علينا أن نتطور وأن نواجهها بأسلحة متغيرة فما كان يجوز منذ خمسين عاما أصبح الآن نوعا من الغفلة والبله والعياذ بالله فإن قدسنا الشريف الآن تعدم وأن المسجد لو تركناه أياما معدودة سيسوي ولا قدر الله بالأرض ونحن نصرخ في بلاهة منقطعة النظير( لن نعترف) وحينذلك سنكتشف اننا ألغينا عقولنا وأضعنا مناسكنا علي حين كان واجبا علينا أن نخوض المعركة بكل وجوهها وأن نستعمل كل اسلحتها المادية والمعنوية والسياسية والاعلامية بكل ما نملكه ويمكله المتعاطفون معنا, وكان الواجب علي علماء المسلمين أن يسخروا كل علمهم وكل اجتهادهم في تنوير ملايين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وأمامهم التراث الاسلامي المضيء وهم يعرفونه أكثر منا. وفيه مثلا أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إن الأماكن المقدسة ثلاثة, البيت الحرام ومسجد النبي والقدس الشريف, ولم يرتب وضع كل مكان, ولكن العالم الواعي المجتهد الموفق المتقدم يجد في التراث أيضا أن الحكيم حين سئل عن حبه واهتمامه بأولاده فقال صغيرهم حتي يكبر ومريضهم حتي يشفي وغائبهم حتي يعود, وحينذلك تكون القدس في ظل المأساة المعاصرة في مقدمة الأماكن المقدسة وزيارتها الآن أوجب من غيرها حتي لو كان فريضة!! والمفهوم طبعا أن المقصود من الزيارة الوجود بالملايين علي أبواب القدس, وطبعا لن يسمح اليهود ولن تستطيع امكاناتهم المواجهة وسيضطر الملايين من المسلمين الزائرين إلي قضاء الأيام والليالي في العراء, وهذا جانب من جوانب المعركة الذي يستحق التضحية وستتولي الفضائيات نقل ذلك إلي أسماع وأنظار العالم وستفضح اسرائيل أمام الرأي العام العالمي, وأرجو ألا يظن القارئ اننا نكون بهذا قد انتصرنا ولكننا سنكون أمام الجميع فعلنا كل ما نستطيع أو بعضه وأشهدنا العالم كله علي أن الملايين منا يستعذبون الموت في سبيل القدس, واننا نعرف جيدا أبعاد المعركة الحقيقية التي قد تكون القدس الخطوة الأولي فيها, ومن يجهل ذلك يسأل( التلمود) ومنه آيات مكتوبة علي واجهة( الكنيست), فبعد القدس البيت الحرام ونحن المسئولون أمام الله والناس والأجيال القادمة عن الاسلام والمسلمين, أعاننا الله وألهمنا الصواب. المزيد من مقالات محمد التهامى