لأن تحديد الدواء يقتضي تشخيص الداء, ولأن كل الظواهر من حولنا تؤكد أن مفهوم الثقافة الذي تترجمه سلوكياتنا اليومية أصبح في خبر كان. وأن الواجهات الثقافية البراقة والكلمات الرنانة تخفي وراءها بنايات مادية ومعنوية هشة, لم تكرس فقط لحالة القطيعة بين المثقفين والنخب وبين المواطن العادي, بل أيضا تقوقعت علي نفسها بعد أن شغلتها مشلاكتها الإدارية وإحباط العاملين بها.. ولأن استمراء حالة الهشاشة الثقافية التي باتت تهدد مقومات المجتمع المصري الأصيلة وتنذر بفقدان تماسك ثقافته وقوتها التاريخية رفاهية لا نملكها في هذه اللحظة من عمر الوطن, كان القرار وكانت المواجهة والمراجعة.. طرحنا الأسئلة وعرضنا المعضلة علي بعض من يتصدرون المشهد الثقافي. طلبنا منهم تشخيص الداء وتوصيف الحالة وطرح سبل العلاج إن أمكن. وفي الأسبوع الماضي تحدث عدد من مصادرنا عن بعض من أسباب المشكلة وحددوها وتأثيرها في اضطراب الحياة العامة وبزوغ تيارات طفيلية غيبت منظومة المجتمع القيمية وأدت لتسيد القيم المادية والثقافة الاستهلاكية بكل تداعياتها, وبالتالي إحباط العاملين في المؤسسات الثقافية الرسمية و الأهلية وانحسار الحركة الثقافية و فقدانها لتألقها وفاعليتها في المجتمع. كما أشاروا إلي أنه وإن كانت الثقافة تعمل باستقلال نسبي عن الاقتصاد والسياسة, إلا أن حركتها تتأثر بهما, وقد تجلي ذلك في تقلص سوق الكتاب والمنتج الثقافي الجاد ووأد كثير من المواهب الحقيقية لمصلحة الشللية, في مقابل إغراق المواطن المصري بأعمال دون المستوي. وفي سياق ما سبق, لا أظن أنه سيكون من قبيل التزيد إذا استطردنا في القول وأضفنا أن المواطن المصري عاش بين اختيارين أحلاهما مر.. فإما أن ينصرف كلية عن المنتج الثقافي لاعنا إياه وكافرا به وإما أن يستسلم لطوفان السطحية ومنظومة القيم المعوجة, ليتحول لكائن تم تزييف وعيه وتجريف ذاكرته والسطو علي ماضيه وحاضره ومستقبله.. واليوم نواصل في الجزء الثاني تشخيص الداء ونقدم المزيد من المراجعات عسي أن نستخلص تركيبة الدواء لعلاج الداء والتخلص من أعراض وتبعات الهشاشة الثقافية.