محمد شعير عندما لفت المنتخب العراقي لكرة القدم الأنظار اليه في بطولة كأس الخليج الأخيرة في البحرين قبل أيام..وحصل علي الميدالية الفضية فيها بتشكيله الجديد الذي يغلب عليه الشباب.. فإن أحدا من المواطنين العراقيين أو المتابعين بشكل عام لم يخطر بباله أن يسأل عما اذا كان هؤلاء الشباب ينتمون الي المذهب السني أو الشيعي.. أو ما اذا كانوا عربا أم كردا أم تركمانا.. أو ما اذا كان أبناء كل مذهب أو طائفة أو قومية قد حصلوا علي( حصص) متساوية في المنتخب أم لا! مثل هذه النوعية من الأسئلة لم تخطر علي بال أحد بالطبع.. فقد تكاتف المشجعون العراقيون من مختلف المذاهب والطوائف وأيدوا منتخبهم الوطني.. الذي تمكن من أن يحقق عملا ناجحا.. التف الجميع حوله.. رغم أنه لم يقم علي مبدأ توزيع الحصص بشكل طائفي.. وهو المبدأ الذي يحكم قواعد( اللعبة) السياسية في العراق. وعلي صعيد هذه( اللعبة).. يبدو المواطن العراقي أحوج ما يكون اليوم الي هذا النمط من التفكير عند النظر الي الانتفاضة السياسية وسلسلة الاعتصامات التي بدأت في الأنبار وامتدت الي مدن ومحافظات عراقية أخري.. اذا أن ظاهر الأمر قد يشير الي أن أبناء الطائفة السنية يقومون بشن ثورة علي حكم الطائفة الشيعية التي تتمتع بالأغلبية في الحكومة التي يرأسها نوري المالكي.. الا أن امعان النظر في حقيقة ما يجري قد يقودنا الي نتائج أخري تماما. واقع الأمر يشير الي أن حكومة المالكي قد بالغت خلال السنوات الأخيرة في( لعبة) استعراض العضلات والاستقواء أمام مختلف الطوائف والقوميات.. بدلا من اقامة جسور المشاركة والتواصل.. فقامت بتهميش الطائفة السنية وعملت علي القصاص من خصومها السياسيين من أبناء هذه الطائفة باسم القانون بحجة اجتثاث جذور حزب البعث القديم.. كما قطعت معظم الأواصر مع الأكراد في الشمال وأصبح الأمر يقف في كثير من الأحيان عند حد المواجهة العسكرية بين الحكومة واقليم كردستان.. أما( لعبة) الفساد السياسي والمالي فقد أصبح الحديث عنها يزكم كل الأنوف! ومن هذا المنطلق.. يمكننا أن نفهم المبادرة التي أعلن عنها مؤخرا المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني, التي جاءت لتزيل الكثير من مواطن الالتباس, لذا فقد حظيت بترحيب كبير من جانب( العقلاء) من مختلف الطوائف. السيستاني طالب بالبدء بتنفيذ مطالب المتظاهرين وإجراء مسح للسجون وإطلاق المعتقلين غير المحكوم ضدهم بعقوبات, تمهيدا لعفو عام جديد يستثني المتورطين فعلا بدماء العراقيين.كما شملت دعوته إجراء إصلاح شامل للمؤسسات السياسية والأمنية يضمن عدم تفرد أي طرف بالسلطة, ويحقق الشراكة في اتخاذ القرار إلي حين إجراء الانتخابات في موعدها أوائل العام المقبل,وحمل السيستاني الوسط السياسي والحكومي مسئولية تدهور الأوضاع ووصولها إلي مرحلة خطيرة, مؤكدا وقوفه إلي جانب أهل السنة لحين تحقيق كل مطالبهم المشروعة. وفي الوقت نفسه فإن الانتفاضة العراقية التي بدأت من الأنبار أخذت تتخفف من أي صبغة طائفية سنية,خلال( جمعة لا تخادع)- في اشارة للمالكي- حيث تم اقامة أكثر من صلاة موحدة للسنة والشيعة في بغداد, كما ردد المتظاهرون هتافات مثل..( اخوان سنة وشيعة,هذا البلد ما نبيعه)..( بالروح بالدم نفديك ياعراق)..(كلا كلا للطائفية). لكن كل ذلك لا يعني أن( الملعب) العراقي يضم مثل هؤلاء العقلاء وحدهم.. فهو ذاخر أيضا بآخرين.. متشنجين.. طائفيين.. علي الجانبين.. ربما يصلون بالأمور الي حافة الهاوية.. وفي هذا الاطار يمكن قراءة سلسلة التفجيرات التي ضربت العراق مؤخرا وراح ضحيتها92 قتيلا و021 مصابا في يوم واحد فقط هو يوم الخميس الماضي.. علما بأن هذه التفجيرات لم تفرق بين سنة وشيعة.. فقد استهدف بعضها مناطق ذات أغلبية شيعية.. بينما استهدف بعضها الآخر قيادات سنية تشارك في قيادة الاعتصامات! ولاشك أن اصرار المالكي علي البقاء علي رأس السلطة السياسية في العراق ربما يفتح أبواب الجحيم.. ويعيد احتمالات وقوع سيناريوهات أليمة.. طالما عانت البلاد منها قبل سنوات. خلاصة الأمر.. هو أنه بعد سقوط الرئيس العراقي السابق صدام حسين.. حاول العقلاء من مختلف الطوائف الوقوف ضد المحاولات التي قام بها البعض لاستهداف الطائفة السنية بحجة أن صدام كان سنيا..وذلك بالتأكيد علي أن حكم صدام حسين لم يكن حكما سنيا بل حكم عائلة أو قل أسرة.. واليوم فانه لابد من التأكيد أيضا علي معني جديد.. وهو أن بذور الثورة الوليدة التي بدأت تطالب باسقاط النظام في العراق ليست ثورة سنية ضد حكم شيعي..لأن حكم المالكي ليس حكما شيعيا.. بل هو حكم استبدادي يطيح بالجميع.. وهو حكم أقيم فوق تربة سياسية غير صالحة أعدها المحتل الأمريكي.. وغرس فيها ما غرس من بذور طائفية مقيتة.. فراح يخصص لكل طائفة مقاعد سياسية بعينها.. لينشر الصراع لا التفاهم.. والشقاق لا الوفاق! وأخيرا يبقي سؤال.. هل يمكن أن يكون اختيار العراق لتنظيم بطولة كأس الخليج المقبلة بعد طول غياب( نذير خير) يبشر بأداء سياسي رفيع المستوي علي غرار ما فعله لاعبو المنتخب العراقي من الشباب؟ وأي( الألعاب) هي التي ستسود المشهد السياسي في العراق خلال الفترة المقبلة.. التنافس السياسي أم الصراع الدموي ؟ أسئلة حائرة علي لسان المواطن العراقي البسيط الذي سيظل يصرخ بأعلي صوت في وجه كل الساسة رغم اختلاف طوائفهم قائلا.. لا تخادع!