حيث إنني مزدوج الجنسية, وأحمل جواز سفر بريطانيا, فإني طبقا للمادة134 من الدستور المطروح للاستفتاء عليه اليوم, أصبحت محروما إلي الأبد من حق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية. وعلي الرغم من أن هذه المادة تظلمني وتظلم آلاف المصريين من أمثالي, فسأصوت علي الدستور بنعم للأسباب الخمسة التالية: أولا.. ليقيني بأن مصر لا تتحمل المزيد مما ارتبط بالمرحلة الانتقالية من قلاقل واضطرابات وجرائم بلطجة وترويع وقطع طرق وميادين, وأنه مهما كان الظلم الواقع علي مزدوجي الجنسية, فلا جدال في أن مشروع الدستور المقترح هو من أفضل الدساتير التي صيغت في تاريخ مصر. وبالتالي فإن مصلحة مصر واستقرارها يجب أن يكونا علي رأس أولويات الجميع, عملا بقاعدة القبول بأخف الضررين دفعا للضرر الأكبر. يعني ما سبق أن إنجاز الدستور ومن بعده الانتخابات البرلمانية, من أجل استقرار مصر وهدوئها وأمنها وسياحتها وجلب الاستثمارات إليها في أسرع وقت ممكن, كل ذلك مقدم علي أي ضرر فئوي متصور وقوعه, حتي وإن كان ينطوي علي التشكيك في الولاء للوطن. ثانيا.. لإيماني بأن التوافق علي الدستور لا يعني تحقيق المصالح والأطماع الشخصية للجميع, لأن هذا مستحيل, وإنما يعني ضمان المبادئ والحقوق الأساسية, حتي وإن كان ذلك علي حساب مصالح فئوية ضيقة. ولكن هناك للأسف من يري أن مهنته تميزه عن باقي المصريين, وأن عدم تمييز الدستور له يمنحه حق نقض, ليس فقط مشروع الدستور, وإنما أيضا تصويت الشعب عليه. ثالثا.. أني أتفهم الأسباب التي دفعت إلي التمييز ضد مزدوجي الجنسية. فقد رأيت في أثناء إقامتي في الولاياتالمتحدة, كثيرا من المصريين الذين استقروا هناك وتأمركوا بالكامل, إلي درجة أنهم يحملون مشاعر غاية في السلبية تجاه مصر وشعبها. ولكن هذا لا ينفي أن هناك أيضا في الداخل من لا يحمل سوي الجنسية المصرية, ولكنه متغرب ومصاب بداء الكبر والعجرفة, ولديه نفس المشاعر السلبية تجاه الشعب وثقافته وهويته. وأنا من المؤمنين بأن شعبنا لديه من الوعي والفهم والإدراك ما يكفي لكي يميز بين الخبيث والطيب من المرشحين المتقدمين للرئاسة, بغض النظر عن ازدواج أو عدم ازدواج جنسيتهم. إني لا أخجل من جنسيتي الانجليزية.. من ناحية لأني لم أطلبها, ولكنها التصقت بي بمجرد ميلادي في إحدي ضواحي لندن.. ومن ناحية أخري لأني أثق بأن وطنيتي وإخلاصي لهذا البلد أقوي بكثير من وطنية وإخلاص آخرين ممن لا يحملون جنسية أخري, ولكنهم مع ذلك يتآمرون علي رئيس مصر ومؤسساتها المنتخبة, ويستخفون بإرادة شعبها ويطالبون بإقصاء جزء كبير منه عن العملية الديمقراطية بدعوي أميته. رابعا.. لأني أعلم أنه في مقدوري لاحقا, عن طريق نائبي في البرلمان, أن أضغط من أجل تعديل هذه المادة. وهذا بالضبط ما حاولت التشديد عليه في مقال سابق.. أن الدستور ليس قرآنا وأنه قابل للتعديل, وأن خصوم الإسلاميين عليهم أن يتوجهوا إلي الشعب ويتصالحوا معه ويجتهدوا في الشوارع والأزقة لاكتساب ثقته لكي يحصلوا علي الأغلبية في البرلمان القادم, فيتمكنوا من اقتراح ما يشاءون من تعديلات علي مواد الدستور( هذا بافتراض إقراره). وأنا أدعوهم لذلك من منطلق حبي لمصر, لأنه لا يوجد بلد يمكن أن ينهض ويتقدم في ظل قوة سياسية واحدة, بينما القوي الأخري مصرة علي إفشال المنافسة, لأنها غير معنية بمصالح الوطن بقدر ما هي معنية بتحطيم وتشويه وشيطنة خصومها. ولكنهم بدلا من التنقل بين الشوارع والأزقة, يتنقلون بين استوديوهات مدينة الانتاج الإعلامي في إصرار عجيب علي منع الشعب من تقرير مصيره من خلال الصندوق, وعلي التلويح بتهديدات خطيرة ب حرب أهلية. وللتأكيد علي أنهم يعنون ما يهددون به, نراهم يلتزمون الصمت علي حرق ما يقرب من ثلاثين مقرا لحزب( الحرية والعدالة), ويمتنعون عن توجيه العزاء لأهالي الشهداء من مؤيدي الرئيس, الذين قتلهم مرتزقة النظام البائد أمام قصر الرئاسة. وكأنهم بصمتهم هذا يوفرون غطاء سياسيا للقتل والتخريب.. أو كأنهم يتصورون أن سيناريو الإطاحة بالزعيم الإيراني محمد مصدق في خمسينيات القرن الماضي, عن طريق حشد مظاهرات مشابهة لما يجري الآن, هو سيناريو قابل للتطبيق في مصر, مع توافر كل العناصر اللازمة له داخليا وخارجيا. وهو ما يصل بي إلي السبب الأخير الذي يدفعني للتصويت بنعم رغما عن المادة134, وهو رفضي المطلق لأن يتصور أي إنسان أنه قادر علي الإمساك بمصر رهينة في قبضته.. كأن يقول أحدهم لن نسمح بإجراء الاستفتاء.. أو يهدد أخر لو جري الاستفتاء في موعده ستكون هناك بحور دم, أو يعلن أديبهم لا استفتاء قبل إقصاء الأميين( أي40% من الشعب) عن التصويت.. أو يصرخ ثالث نرفض حوارا يقفز علي إرادة الشعب, فإذا قلت له دع الشعب إذن يعبر عن إرادته, يرفض.. تماما مثل هذا الذي حاورني في أحد الأندية حوارا طويلا إنتهي بقوله لي: الناس ما قامتش بالثورة عشان ييجوا الإخوان يحكمونا, فقلت له إن الناس قامت بالثورة لانتزاع حقهم في اختيار من يحكمونا. فقال ولكن الشعب يرفضكم, فقلت له: إذن نذهب إلي الاستفتاء والانتخابات ليكون رفض الشعب لنا رسميا وقاطعا, فإذا به يقول نرفض الاستفتاء لأن الشعب جاهل وأمي وأنتم ترشونه بالزيت والسكر. ثم قلت له: ما الحل إذن؟ فقال نفذوا ما نطالب به.. فقلت: علي أي أساس؟ قال: علي أساس إننا حنحرقلكم البلد إذا لم تفعلوا. لهؤلاء, يجب أن تكون الرسالة قوية وحاسمة: إننا عاضون بالنواجذ علي ديمقراطيتنا الوليدة, لأننا لا نملك ترف التفريط في نعمة ثورة يناير التي أنعم الله بها علي شعب مصر. لن نترككم تجهضون الثورة مهما تحالفتم مع الفلول ومهما استقويتم بالخارج وبأموال الخارج. ويكفينا أن جميع الأقنعة سقطت وأن حقيقتكم انكشفت. المزيد من مقالات صلاح عز