كنت وديعا للغاية في هذه الرحلة, فرح الزملاء بذلك, مجبر أخاك وليس بطلا, نقص الأوكسجين عند سقف العالم أزعجني, وأدهشني أكثر كيف يتحمل الناس هنا أن تكون أنفاسهم محبوسة, عدت إلي النيبال, ومنها إلي الهند. كنت أقتفي اثاره, لقد مر من هنا هاربا من الجيش الصيني عندما أقتحم البلاد, الفارق البسيط بيننا أنه خاض طريق الجبال الوعرة, فيما أنا أستخدمت الطائرة كنت مرهقا للغاية, وعدت نفسي بالإسترخاء, كل أخضر علي جانبي الطريق يغريني, ساعات تمر منذ غادرت مطار دلهي بإزدحامه البشع, وجهتي شمال البلاد, ما من بشائر للوصول, وحتي عند الوصول أكتشفت أننا بتنا أيضا في منطقة تعلو عن سطح البحر بحوالي ألف وثماني مائة متر, إنها درماسالا, طبيعتها الخلابة لم تثر إهتمام أحد إلي أن حل الرجل, عفوا نصف الإله بحسب ما يعتقدون وصلت إلي الهدف وبرفقتي أربعة من الزملاء والزميلات وذلك بعد أربعين عاما من وصول الدلاي لاما في الحادي والثلاثين من مارس لعام تسعة وخمسين, لكن كان برفقته ثمانون ألفا من أتباعه, وقد فروا من الجيش الصيني, بعد أن أخمد إنتفاضتهم المسلحة في التاسع والعشرين من ذات الشهر, لتصبح درماسالا مقرا لحكومة التبت في المنفي, المكونة من ثماني وزراء, منتخبين من بين أعضاء البرلمان, المنتخب بدوره لدورة تمتد إلي خمس سنوات, من قبل اللاجئين التبيتيين, حكومة تمثل أعلي سلطة تنفيذية لأهل التبت في المهجر, محاولة ديمقراطية غير أنها لم تلق أي أعتراف دولي تمنيت وسعيت لكنني ما ظننت أبدا أن بالإمكان لقاء الدلاي لاما, في يوم الصلوات يصطف عشرات الشباب القادمين من أوربا وأنحاء العالم المختلفة في طابور مهيب من أجل مصافحة أقرب للملامسة, وكل ما حولك مهيب, غابات خضراء, ثم معبد, أبخرة وترانيم وتماثيل بوذا, ولون أحمر داكن, يكتسيه عشرات الرهبان, أجراس تقرع, وأبواق, ثم تقام الصلوات, ثم يخرج الدلاي لاما لتلك الصفوف الطويلة الباحثة عن الروح في عالم غلبته المادة ثلاثة عشر مثله حكموا التبت منذ عام ألف وستمائة وأثنين وأربعين, وعندما يموت كل واحد منهم, فإن روحه, كما يعتقدون, تتقمص صبيا صغيرا, يكون هو الدلاي لاما المقبل, الذي يملك دوما في يديه السلطتين الدينية والسياسية مريدوه من الأجانب يعتقدون أنه مخلصهم من أثم المادة وثقلها, وأهل التبت يعتقدون أنه قد تقمص شخص الإله الحامي لبلادهم, من أسعي للقائه هو الدلاي لاما الرابع عشر, بعد أن جري التحقق من هويته المتناسخة وهو طفل صغير, ثم تربي في معبد بوذي في قلب جبالا الهمالايا, لم يعرف لهوا, لم يعرف سوي المخطوطات الحاوية لتراث يزيد عمره علي ألف سنة, إلي أن تسلم سلطته في الحادي عشر من الشهر العاشر من سنة النمر الحديدي, يعني في السابع عشر من نوفمبر عام خمسين من القرن الماضي, حينها كان عمره ستة عشر عاما في بناية متواضعة للغاية جلست وفريقي في إنتظاره, قليل من الوقت يمضي بعد أن أتممنا إستعدادنا ونصبنا كاميراتنا, يفتح الباب ويعلمنا رجل أن الدلاي لاما قادم, تري ماذا عساي أن أفعل, وسط هذه الهيبة العالمية, دخل الرجل مبتسما, ببساطة وتواضع شديدين, وترحاب مازلت أذكره جيدا بضربة خفيفة في ظنه علي ظهري ضحكت في كل مرة كنت أنا أسمع صوتها وأنا أعيد مشاهدة شريط اللقاء سألته وأجاب, فهمت أنه طلق التاريخ, وأنه لن يهتف بتبت حرة مستقلة, وإنما بحكم ذاتي, وهو الأمر الذي ولد معارضة قوية له, تطيعه في الدين وتعارضه في السياسة, أسهب في شرح حلمه بمستقبل بلاده, بلاد يحكمها نظام إقتصادي كما قال لي يجمع بين الرأسمالية والأشتراكية, ونظام مدني, فلم أفهم سألته كيف لشعب من الرهبان تكون دولته مدنية, قال إنه يقصد المساواة بين المؤمنين وغيرهم, لأن التبت يعيش فيها الآن مجموعات دينية مختلفة, تحدث كثيرا عن خيار اللا عنف كانت إجاباته واضحة وسريعة و مباشرة, كنت مستمتعا باللقاء, ثم سألته لقد زرت فلسطينالمحتلة عقب مذبحة الحرم الإبراهيمي الشريف عام أربعة وتسعين, فكيف فعلت ذلك وأنت من يعاني من إحتلال أرضه بحسب ما تعتقد, صمت الدلاي لاما فجأة, ثم طلب التوقف عن التصوير, ألتف مستشاروه حوله, تداولوا في الأمر, ثم قال فلنواصل المقابلة, أعدت السؤال أجاب لقد زرت إسرائيل مرة واحدة, وقد كانت ذلك أمنيتي منذ زمن, وكان هدف الزيارة ديني, وآلتقيت بيهود وعرب, زيارتي للقدس يقول الدلاي لاما هي بمثابة زيارة دينية أو حج, وبدون موافقة ومباركة الحكومة الإسرائيلية لا يمكنني الذهاب إلي هناك حدثني مساعدوه قبل اللقاء عن معاناة شعبهم, عن اللاجئين, عن هدم المعابد, عن حرق المكتبات والمخطوطات, عن الضحايا المدنيين, عن العنف الذي تعرضوا له, ثم حدثني هو كثيرا عن النضال السلمي وعن خيار اللاعنف, الآن وأنا أخط ذكرياتي أسأل نفسي لو أعدت لقاءه اليوم فسوف أسأله, وسوف يضطر أن يتوقف مرة ثانية عن الحديث, أيها الدلاي لاما, هل أنت مثلهم, ميزانك يزن بطريقتين, لماذا يذبح شركاؤك في العقيدة آلاف المسلمين في بلدهم مينامار بدم بارد ولا تعلن موقفا واضحا من ذلك.؟! twitter@assaadtaha