في ظهر يوم الاثنين29 مارس1954 وصل الصاغ عرفة وكيل البوليس الحربي إلي مكتب المرحوم المستشار د.السنهوري رئيس مجلس الدولة ليخبره أن مظاهرة عدائية قادمة إلي المجلس, وينصحه بأن يبقي في مكتبه حتي يصل المتظاهرون فيتحدث إليهم فينصرفوا, لأنهم إن حضروا ولم يجدوه فسوف يلاحقونه في كل مكان حتي في منزله.. السنهوري قال في التحقيقات التي أجراها المستشار برهان العبد من النيابة العامة ان الصاغ عرفة أمر بفتح الباب الخارجي للمجلس وكان مغلقا, فاندفع المتظاهرون وهم يرددون هتافات: الموت للسنهوري الموت لخائن الثورة نريد رأس السنهوري..وقام مجهولون بالتعدي عليه بالضرب المبرح, وأضاف السنهوري أنه لم يدرك ساعتها أنه أمام اعتداء مبيت. هذا عن واقعة الاعتداء, أما عن أسبابها فإنها تدور حول قضية الديمقراطية في مصر عقب ثورة يوليو1952, فقد كان في رأي الرئيس الأسبق اللواء محمد نجيب العودة بالبلاد إلي الديمقراطية وأن يعود الجيش إلي ثكناته, خلافا للاتجاه الآخر في مجلس قيادة الثورة الذي رأي أن أحزاب ماقبل الثورة أفسدت البلاد وقسمتها وأنه يستحيل العودة إلي الحياة الحزبية مرة أخري, بل أنه علي الجيش أن يطهر البلاد, ويتولي الحكم لحين إصلاح أحوال الأمة, وفي25 مارس1954 صدر قرار بحل مجلس قيادة الثورة مع السماح بقيام الأحزاب, وانسحاب الجيش, باعتبار أن الثورة قد انتهت, وقد تبين فيما بعد أن مجلس قيادة الثورة استهدف من هذا القرار إثارة الجماهير التي لم تكن لتقبل بعودة الأحزاب ولا بعودة العهد السابق, فثارت ثائرة الكثيرين وتوالت الأحداث. حاول السنهوري رئيس مجلس الدولة الذي رشح لتولي رئاسة مجلس الوزراء أن يبدو متوازنا.. لكن مجمل أقواله فهم منها أنه يؤيد اتجاه الديمقراطية, ومن ذلك ما قاله في اجتماع ضمه مع نجيب وناصر والملك سعود الذي كان قد حضر إلي مصر للإصلاح بين نجيب وناصر, وقول السنهوري انه يعادي أساليب العنف وافتعال المظاهرات لتحقيق أهداف سياسية, ثم جاءت قضية مشروع دستور1954, فرسخ في أذهان مجموعة ناصر أن السنهوري يريد أن يصفي الثورة, وأنه مستغل موقعه في الجمعية التأسيسية بوضع نصوص في الدستور تؤدي قانونيا إلي استبعاد مجلس قيادة الثورة والمؤسسة العسكرية من أن يكون لهما دور في العملية السياسية, اشترط في رئيس الجمهورية بلوغ سن الخامسة والأربعين مما لم يكن قد بلغه إلا اللواء نجيب وعليه فإن مشروع دستور54 المرفوض من قيادة ثورة52 كان سببا مهما للاعتداء علي السنهوري. أما عن كيفية الإعداد لهذا الاعتداء, فإن التحقيقات أشارت إلي أن إحدي الصحف القومية نشرت يوم الأحد28 مارس1954 أن السنهوري يوجه الدعوة للمستشارين أعضاء الجمعية العمومية للمجلس للانعقاد في اليوم الثاني.. وتم نشر الخبر علي نحو مثير, وأوحت الجريدة بأن الهدف من الاجتماع إصدار قرارات مهمة ضد الحكومة, فاتصل ناصر بالسنهوري يستوضح الأمر فأخبره أن هدف الاجتماع هو إجراء حركة ترقيات للمستشارين بالمجلس..لكن الأمر كان قد أثار غضب مؤيدي ثورة1952 واستغله بعض المنتفعين من ذوي النفوذ من رجال الصف الثاني, وتطورت الأمور علي نحو لا تسمح به مساحة النشر. وعموما فإنه في اليوم الثاني للاعتداء وتحديدا يوم30 مارس1954 أصدرت الجمعية العمومية لمجلس الدولة البيان, أكدت فيه ان القضاء في كل أمة من أعز مقدساتها, وبعد ساعات وتحديدا في1954/4/2 ورد إلي مجلس الدولة كتاب البكباشي جمال عبدالناصر نائب رئيس قيادة الثورة ومجلس الوزراء.وجاء فيه: أنه في شأن الاعتداء الأثيم الذي وقع علي رئيس مجلس الدولة وهو يؤدي عمله بدار المجلس, أود أن أنهي إليكم اننا جميعا أنا وإخواني أعضاء مجلس قيادة الثورة والوزراء قد تألمنا لهذا الحادث الذي نستنكره كل الاستنكار, ذلك لأننا نؤمن بأن القضاء من أعز مقدسات الأمة, فينبغي أن يتوافر له كل استقلال وتوقير وكرامة.. ونحن نوقن أن مجلس الدولة منذ إنشائه وهو يقوم علي رسالته كما ينبغي, وتفخر الثورة أن من بواكير أعمالها تدعيم استقلال القضاء والمجلس,ويقيننا جميعا أن كل مصري مخلص لوطنه يستنكر ذلك الحادث إذ لا يمكن أن يجترئ علي حرمة القضاء في مصر إلا عدو للوطن أو خائن له, وستعمل الحكومة جاهدة علي القصاص من العابثين ومحاكمة المقصرين. وأخيرا يبقي أن نشير إلي أن اللواء محمد نجيب علق علي الحادث بقوله إنه بهذا الاعتداء علي أكبر صرح للقانون في مصر وعلي رئيس مجلس الدولة فقد انتهي القانون وبدأ عصر الغاب الذي سيقود مصر في المستقبل إلي الهاوية.