تغيب «ثقافة احترام العمل» عن كثير من المؤسسات الحكومية التى تعانى تسرب موظفيها. أو تغيبهم عن العمل. أو عدم قيامهم بما هو منوط بهم من واجبات وظيفية، ويسوق من يهملون واجباتهم الإنسانية والوظيفية اسبابا لذلك يستندون فيها إلى أن رواتبهم ضعيفة ولا تفى بمطالبهم المعيشية، ويعتبرون من يتقاضونه جباية وليس أجرا نظير عمل، وفى خلط للأوراق، فمن وافق على تأدية عمل ووقع عقداً بذلك عليه أن يحترم بنود هذا العقد، فالعقد شريعة المتعاقدين. وفى ظل غياب اللوائح المنظمة للعمل العام، وعدم وجود عقوبات رادعة لمن يتهرب من واجباته الوظيفية من الطبيعى أن يحدث ذلك، وقد حدث وتوقف عمال عدد من المصانع عن العمل فى فترات سابقة لمدة تقترب من الشهر عمداً بسبب بعض المطالب التى يريدون تحقيقها، وكانت خسائر ذلك عشرات الملايين التى لحقت بهذه المصانع، ومع ذلك عاد العمل بعد فترة دون توقيع عقوبة واحدة على من قاموا بتعطيل العمل عمداً، وهذا بالطبع يشجع عمالاً آخرين على تقليدهم، والسير على نهجهم، مما يؤدى إلى إهدار مال عام يضاعف الخسائر الاقتصادية لهذه الشركات أو المؤسسات، وعندما يضاف كل ذلك إلى غياب الضمير وعدم الشعور بالمسئولية يصبح الأمر كارثياً، حيث تتلاحق الخسائر الناتجة عن ذلك، لأن رواتب الموظفين فى الأجهزة الحكومية تشكل عبئاً كبيراً على موازنة أى دولة، سواء كانت مستقرة اقتصادياً ومالياً أم تعانى مشكلات اقتصادية، فالواجب على الموظف أن يؤدى الأمانة بصدق وإخلاص وعناية، وحفظا للوقت حتى تبرأ الذمة ويطيب الكسب ويرضى ربه وينصلح حال الشركة أو أى جهة يعمل فيها.. والواجب على الموظف أن يتقى الله وأن يؤدى الأمانة بغاية الإتقان وغاية النصح، ويرجو ثواب الله ويخشى عقابه ويعمل بقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا»، فخصال أهل النفاق الخيانة فى الأمانات كما قال النبى عليه الصلاة والسلام: آية المنافق ثلاث: “إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” متفق عليه، فلا يجوز للمسلم أن يتشبه بأهل النفاق، بل يجب عليه أن يبتعد عن صفاتهم، وأن يحافظ على أمانته، وأن يؤدى عمله بغاية العناية ويحفظ وقته، ولو تساهل رئيسه، أو لم يأمره رئيسه، فلا يقعد عنه أو يتساهل فيه، بل ينبغى أن يجتهد حتى يكون خيرا من رئيسه فى أداء العمل، والنصح فى الأمانة وحتى يكون قدوة حسنة لغيره، ولابد من وضع حوافز لمن يعمل بكفاءة حتى يجد العامل ثمرة عطائه وإخلاصه فى عمله، فينبغى ألا يتساوى فى النهاية الذين يعملون والذين لا يعملون، وإذا لم تكن لدى جهة العمل ما تعطيه لمن يجتهد فى عمله، فلديها ما تعاقب به العامل المهمل المقصر فى أداء واجباته والذى يؤدى عمله بشكل روتينى دون عطاء حقيقي. وننتهى بذلك إلى ضرورة تنمية ثقافة احترام وقت العمل التى لم تعد موجودة عند كثيرين من الموظفين، خاصة من يعملون فى مؤسسات حكومية تضعف فيها وسائل المحاسبة والمراقبة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب.. إن ظاهرة تهرب موظفى الحكومة من أداء واجباتهم الوظيفية تتزايد فى الدول التى تختفى فيها العقوبات الرادعة لمن يفعل ذلك، وقد تزايدت هذه الظاهرة فى السنوات الأخيرة لأسباب اقتصادية وسياسية. د. محمد مصطفى مسعد