حتى عقود قليلة مضت، كانت شعوب كثيرة تتناول اللحوم الحمراء مرة أو مرتين على الأكثر أسبوعيا، وكانت نظمها الغذائية متنوعة وغنية بالبقوليات والحبوب والخضراوات والفواكه مثل شعوب البحر المتوسط، لكن العصر الأمريكى الذى بدأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قلب الأمور رأسا على عقب. حدث ذلك فى السياسة والاقتصاد والسينما وأمور أخري. نشرت الولاياتالمتحدة ثقافة غذاء جديدة أسهمت فى عولمتها سلاسل المطاعم الأمريكية الشهيرة، التى تعتمد أساسا على الوجبات الجاهزة والسريعة ذات السعرات المرتفعة والمشروبات الغازية. إلا أن أهم عناصرها سيادة اللحم الأحمر على ما عداه، بحيث أصبح تناوله بشكل يومي، أو بالتبادل بينه بين اللحوم البيضاء إجباريا. ولم يكن هذا التطور، سوى تتويج لرحلة صعود اللحم الأحمر وتحديدا اللحم البقرى بالمجتمع الأمريكى على مدى قرنين تقريبا. ويصف الباحث الأمريكى جوشوا شبيت هذه الرحلة فى كتاب ممتع صدر حديثا عنوانه: جمهورية اللحم الأحمر.. كيف غيرت لحوم البقر أمريكا؟، قائلا فى المقدمة: صنع الأمريكيون اللحم الحديث وصنعت اللحوم أمريكا الحديثة. ويشير إلى أن تربية الماشية شهدت طفرة بعيد منتصف القرن 19 من خلال إنشاء السهول الكبرى على حساب إزالة الآلاف من مجتمعات السكان الأصليين، ثم ظهور بداية ما يمكن تسميته بصناعة اللحوم مدعومة بالتكنولوجيا والمخترعات الحديثة كعربات ثلاجات السكك الحديدية. وترافق ذلك مع تحول أسواق الماشية من مجرد نقاط معينة فى الولايات إلى نظام متكامل على مستوى أمريكا. ومع هذا التوسع غير المسبوق، جاء تنظيم الصناعة، فصدرت قوانين عديدة أهمها قانونا الفحص البيطرى والتعبئة والتخرين. ولم يكن الأمر مجرد تطور تكنولوجى أوجد صناعة بل كانت السياسة فى القلب منه، فقد جرى الاستيلاء على 95% من أراضى الغرب الأمريكى من الهنود الحمر، كما انخرط مربو الماشية مع الجيش فى إبادتهم. بدأت صناعة اللحوم بقتل من يعترض قيامها..وها هى تواصل تطورها على حساب صحة المستهلكين بالعالم، بما تسببه من أمراض خطيرة وعديدة قد تفضى إلى الوفاة، ومع ذلك فاستهلاكها فى تزايد. إنها جمهورية بالفعل. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالله عبد السلام