الأساس فى الزواج هو التوثيق والإشهار. وأى زواج يُوثق ويُعلن يكون صحيحا أيا تكون الطريقة التى يُعقد بها. ولكن هل ينطبق هذا على الزواج المدنى، الذى يتم تسجيله فى محكمة أو فى الشهر العقارى، وبالتالى يتوافر له ركن التوثيق، ويُعلن إتمامه للكافة بطرق مختلفة؟ السؤال مختلف على جوابه فى العالم، وخاصة فى البلدان ذات الأغلبية المسلمة التى تنتشر فيها صورة نمطية سلبية للزواج المدنى، فيما عدا تونس التى اعتُمد فيها رسمياً منذ عام 1956. المؤيدون لهذا الزواج، وهم قليل فى معظم هذه البلدان، يرون أنه لا يوجد فى الإسلام ما يمنع الزواج المدنى، ولكن تداخل التقاليد المحافظة مع الدين أدى إلى الاعتقاد فى أنه ليس جائزا، بدليل أن هذا الاعتقاد شائع لدى المسيحيين أيضاً. فلم يحدد الإسلام طريقة معينة للزواج. ولم تكن الطريقة الحالية، التى يعقد فيها المأذون القران، معروفة أو متبعة لفترة طويلة فى البلدان الإسلامية. فالمهم أن يكون الزواج قائما على قاعدة الرضا والقبول، ومُشهراً، وفقاً للقواعد الشرعية. ويختلف أنصار الزواج المدنى على طبيعة العلاقة بين قاعدة الرضا والقبول، التى ترتبط بمبدأ حرية الاختيار، والقواعد الشرعية، فيرى بعضهم أن تكون الأولوية لهذه القواعد، بينما يذهب أكثرهم إلى إعطاء الأسبقية لقاعدة القبول المتبادل فى حالة انتماء الراغبين فى الزواج إلى دينين، أو مذهبين، مختلفين. وهذه، تحديداً, هى نقطة الانطلاق فى موقف رافضى الزواج المدنى، الذين يعتقدون أنه باب خلفى لمخالفة قواعد شرعية تتعلق بالانتماء الدينى أو المذهبى للراغبين فى الزواج، وإن كان كثير منهم يظنون أن ما يُسمى «الزواج على يد مأذون» فرض دينى. ولا تختلف حالة هؤلاء عن حالات أخرى يُعتقد فيها أن تقاليد أو ترتيبات اجتماعية متوارثة، أو شائعة، تعتبر فرائض دينية، وما هى كذلك. وإذا صح أن التقاليد السائدة فى المجتمع تُعد المصدر الرئيسى لتكوين الموقف ضد الزواج المدنى، يصبح مستقبله مرتبطا بمسارات تطور المجتمع، وامكانات انفتاحه، وقابليته للتجديد، والمدى الذى يمكن أن يصل إليه أى تجديد، سواء فى أنساق القيم، أو أنماط السلوك، والتفاعلات الاجتماعية. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد