لا تزال أوضاع جريمة الختان الوحشية فى مصر مثيرة للفزع! وإذا كان البعض يرون جوانب مشرقة فى آخر إحصاءات المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة)، التى أجراها تزامناً مع اليوم الوطنى للقضاء على الختان، 14 يونيو من كل عام، فإن هناك قراءة أخرى لنفس المعلومات تدق ناقوس الخطر! فإذا كانت إحدى النتائج المرضى عنها تقول إن نسبة 65 بالمئة من المصريات يرين ضرورة إيقاف هذه العادة المؤذية للبنات، فهذا يعنى أن النسبة الباقية التى تؤمن باستمرار الختان تبلغ 35 بالمئة، وهى نسبة مخيفة، تتجاوز ثلث النساء المصريات اللائى من المتوقع منهن أن يُجمِعن على الموقف الحضارى المناهض، على الأقل لأنهنّ مررن بالمحنة وهنّ صغيرات، وعشن تبعاتها كزوجات! وهو خوف يعزّزه النسبة الصريحة التى لا تحتاج إلى أى تأويل، والتى ترصد نسبة 26 بالمئة من السيدات يرين أن الختان يمنع الزنا! وهى لديهن حجة أخلاقية قوية تعزز استمرار الجريمة، بل وتصوغها فى منطق جذّاب جماهيرياً. وأما إقرار 21 بالمئة من السيدات بأن الزوج يُفضِّل أن تكون زوجته مختونة! فهذا يشير إلى أن الداء مستفحل لدى الرجال أيضاً، وإلى خطر آخر متضمَّن، لأن الزوج هو أب مسئول عن بناته، أى أنه سيعمل أو سيحبذ أن يخضعن للختان. لا خلاف على أن هناك جهوداً مُقدَّرة من أفراد ومؤسسات يملؤهم الإخلاص والحماس والتفانى فى مقاومة هذه الجريمة التى تُقترَف فى حق الفتاة فى سن لا تملك التمييز بين ما يفيد وما يضر، ولا يمكنها إدراك العواقب المستقبلية، كما أنها فى الأساس لا تقدر على المنع حتى إذا رفضت! وهذا ما يجعل الجريمة مُركَّبَة، لأنها، بعد أن تزجّ بالفتاة فى محنة المعاناة والألم المادى المقترِن بالقهر، فإن آثارها المستقبلية تهدد حياتها كأمرأة وزوجة وأم. كما أظهرت الإحصاءات أيضاً خطراً آخر خاصاً بتشويه وعيها فيجعلها تؤمن بصحة الخطأ، بل وربما يؤدى إلى تخريب روحها فيملؤها بنوازع الانتقام، ولكن ليس ضد مقترفى الجريمة ضدها، وإنما ضد ابنتها، لتتكرر المأساة! لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب