فى كتابه الشهير «سيكولوجية الاستعمار» الذى أصدره المفكر الفرنسى «مانوني» عام 1948 المذبحة البشعة، التى ارتكبتها القوات الفرنسية فى جزيرة مدغشقر وراح ضحيتها أكثر من مائة ألف مواطن، كشف الرجل كل أبعاد الحقيقة بشأن الاحتلال والتدخل الأجنبى فى شئون أى وطن، موضحا أنه ليس هناك احتلال طيب واحتلال شرير مثلما ليس هناك تدخل مقبول يمكن تبريره وتسويغه وفق أى عقل وأى منطق سليم، وإنما الاحتلال هو الاحتلال والتدخل هو التدخل! وطبقا لما ورد فى كتاب «سيكولوجية الاستعمار» يقول «مانونى» إنه فى حالة الاحتلال ليس لدى المحتل مانع من القضاء على الشعب المحتل بأكمله إذا تطلب الأمر ذلك لضمان بقاء نفوذ الدولة، التى وضعت أقدامها خارج حدودها فوق الأرض التى احتلتها. وفى كتاب «المستعمرات والمستعمرون» الذى ألفه الكاتب «ألبرت ممي» وكتب مقدمته الفيلسوف الفرنسى «جان بول سارتر» تلخيص صادق للعلاقة بين المستعمرين الغزاة والشعوب الواقعة تحت وطأة الاستعمار، حيث يقول الكتاب «إن المستعمرين الحقيقيين لا يعطون فرصة لأهالى الدول المنكوبة بالاحتلال لكى يحكموا أنفسهم بأنفسهم، وإنما فقط يكتفون بتقديم الوعود لتلك الشعوب بأنهم سوف يحكمون أنفسهم بأنفسهم فى المستقبل»! ولعلنا نتذكر هنا فى مصر الكتاب الشهير «تاريخ النهب الاستعمارى لمصر» الذى كتبه «جون مارلو» فى أربعينيات القرن الماضى وزوده بالأدلة والبراهين والوثائق المؤكدة للتدليل على أن الاحتلال البريطانى لمصر لم تكن له أى أهداف أو غايات تسبق هدف وغاية النهب لمصر والسيطرة على مقدراتها. واليوم وبعد أن غربت شمس الاستعمار فى إطار التطور الطبيعى لحركة ومسار التاريخ فإن الدول العظمى لاتزال حريصة على توسيع مساحات نفوذها خارج حدودها دون الحاجة لكلفة بشرية ومادية باهظة يتطلبها الاحتلال الدائم ومن ثم نشأت فكرة التدخل المباشر، وغير المباشر فى شئون الآخرين الواردة مواقعهم ضمن خرائط الصراع الدولى على مناطق النفوذ.. وللأسف الشديد تجد القوى العظمى فى الدول الصغيرة من يبررون التدخل الخارجى وشرعية الاستقواء بالأجنبى مثلما حدث فى العراق وسوريا، وما يجرى الإلحاح عليه من بعض الأصوات المارقة فى السودان بطلب تشكيل لجان تحقيق دولية بشأن ممارسات داخلية بحتة ودون اعتبار لدروس وعبر الكوارث التى حلت بالعراق وسوريا واليمن! مجرد خواطر فى مناسبة الذكرى 63 لجلاء الإنجليز عن مصر وخروج آخر جندى فى 18 يونيو 1956 بموجب اتفاقية الجلاء عام 1954 التى أنهت احتلالا كئيبا دام نحو 80 عاما، ومع ذلك مازال البعض فى عالمنا العربى لم يتعلم الدرس ويكرر من جديد خطيئة الاستقواء بالأجانب فى النزاعات الداخلية. خير الكلام: أشد أعداء الأوطان سوء التقدير وغباء الجهل فى أوساط النخب! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله