لماذا أصبحنا أكثر هوسا بالأكل مع أنه بات متوافرا أكثر من أى زمن مضى؟ ولماذا أصبحت لدينا القابلية لأكل الأسوأ مع أن بإمكاننا الحصول على طعام جيد بصورة لم يتخيلها أسلافنا؟. ثم إن النظام الغذائى السائد ضيق على الناس ما يأكلون. فإذا علمنا أن هناك 7 آلاف محصول زراعى صالح للأكل، فإن 95% مما نأكله يأتى من 30% فقط من هذه المحاصيل. مفارقات عديدة ترصدها بى ويلسون المتخصصة فى تاريخ الغذاء، فى كتابها الجديد: «الطريقة التى نأكل بها.. كيف غيرت ثورة الغذاء حياتنا وأجسامنا وعالمنا؟». ففى الوقت الذى لم نعد نعانى المجاعة، أضحى الغذاء، المسبب الأول للأمراض والوفيات. فى الأيام الخوالى، كان طهو اللحم يتم بطرق قليلة، الآن هناك عشرات إن لم يكن مئات الوصفات لكل أكلة، ومع ذلك، فالوجبات الجاهزة الأمريكية، هى السائدة عالميا. مقابل ذلك، انتشرت الدراسات والنصائح الطبية وغير الطبية عن فوائد وأهمية الأكل الصحى الذى غدا بدوره صناعة داخل صناعة الغذاء تدر مليارات المليارات على أصحابها، ومع هذا، فالإحصاءات تشير إلى زيادة رهيبة فى الإصابة بالسمنة والسكر. فى الماضى أيضا، كان المنزل مركز الطهو حيث تدخل المرأة فى عمل شاق ومضر بصحتها، بسبب التلوث والدخان، لإعداد الطعام لأسرتها، وكان الطهو عملا أنثويا حصريا. الآن صار المنزل خارج ثورة الغذاء، فمطاعم الأكلات الجاهزة وحتى المطاعم العادية، سحبت البساط من الأكلات المنزلية، ورغم أن مواقع التواصل وبرامج الطهو تقدم ملايين الوصفات لكن القليلين هم من يتناولون طعام البيت. أما الرجال، فقد شاركوا فى صناعة الغذاء كما لم يحدث من قبل، وقوائم أشهر وأمهر الطباخين يتصدرها الرجال ويشغلون حيزها الأكبر. للأسف، مع هذه الطفرات العملاقة، والتى لا تقل أهمية عن الثورات الاجتماعية التى شهدها العالم, فقد الطهو حميميته، حيث ظل المطبخ مكانا مدهشا يهرب إليه هواة الطهى من صخب المعيشة والتليفزيون وحتى الأسرة. كان أقرب لأن يكون علاجا نفسيا.. الآن بات الدليفرى هو الحل فى زمن العولمة. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالله عبد السلام