قبل أسابيع قليلة، نقل شخص محب للتاريخ عبر حسابه فى فيس بوك صورة لرجل نائم فى إحدى محطات السكك الحديدية، وكتب ما معناه: هل تصدقون أن هذا الرجل هو مصطفى النحاس الذى تولى رئاسة الوزراء عدة مرات؟ طرح السؤال كما لو أنه هو الذى لا يكاد يُصدق الصورة المنشورة فى إحدى المجلات المصرية فى بداية الثلاثينيات. كانت تلك إحدى مرات كثيرة نام فيها النحاس، الذى تحل اليوم الذكرى الأربعون بعد المائة لميلاده، على أرصفة محطات السكك الحديدية، فى الفترة بين 1930 و1935 خلال جولاته فى أنحاء مصر لخلق تعبئة من أجل استعادة دستور 1923. كان النحاس زعيم المعارضة عندما ألغت حكومة إسماعيل صدقى هذا الدستور، واستبدلت آخر به, فحرمت المصريين من أهم ثمار ثورتهم ضد الاحتلال عام 1919. لم يكن قد مضى على النحاس أكثر من ثلاث سنوات فى قيادة الوفد القديم، خلفاً لسعد زغلول، عندما حمل على كاهله العمل لاستعادة دستور انتزعه المصريون من أنياب الاحتلال والسراى. وكان النوم فى محطات السكك الحديدية أحد تجليات ارتباط النحاس بالمصريين البسطاء، الذين نشأ بينهم فى أسرة متوسطة فى سمنود. وظل قريبا من نبضهم بعد أن تولى رئاسة الوفد. لكن من يتأمل تاريخه، يلاحظ أنه لم يبق بعد معاهدة 1936 كما كان قبلها. اختلفت الظروف، وتغير هو شخصياً, وفرضت المتغيرات أن يفعل ما لم يكن ممكنا أن يقدم عليه. ورغم أن تاريخه النضالى حضر فى آخر حكومة رأسها عندما أعلن إلغاء معاهدة 1936، ووقف وراء المقاومة ضد قوات الاحتلال فى منطقة القناة، لم يدرك أن المصريين الذين جددوا الثقة فيه وحملوه إلى رئاسة الحكومة فى يناير 1950 كانوا يأملون فى إصلاح اجتماعى اشتدت الحاجة إليه، ولم يستطع تجاوز مصالح كبار الملاك الزراعيين الذين أعاقوا هذا الإصلاح. ومع ذلك، لم ينسه المصريون رغم ابتعاده التام عن العمل العام بعد ثورة 1952، حيث لزم منزله إلى أن لقى ربه، فكانت جنازته عام 1965 لحن وفاء عزفه عدد كبير منهم ذهبوا لتشييعه رغم أجواء الخوف من المشاركة فيها. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد