كان طوفان الهزيمة العسكرية فى 5 يونيو 1967 هادرا وعنيفا جرف معه كثيرا من الخطايا والسلبيات التى غيبت عن العيون حقيقة الأوضاع والقدرات داخل القوات المسلحة وبالذات عند مستوى قمة القيادة ورئاسة الأركان.. ولكن عبقرية الشعب المصرى بعفوية وتلقائية لم ترد فى حسبان أحد فجرت طوفانا شعبيا مضادا يومى 9 و 10 يونيو ليس فقط رفضا لقرار جمال عبد الناصر بالتنحى عن الحكم وإنما رفض للقبول بالهزيمة أو الاستسلام. إن التاريخ سوف يتوقف طويلا أمام هذا الخروج الكبير للمصريين يومى 9 و10 يونيو فى مختلف مدن وقرى مصر بعد دقائق قليلة من انتهاء جمال عبد الناصر من إلقاء خطاب التنحى مساء الخميس 9 يونيو لمعرفة ما وراء هذا الخروج العفوى والتلقائى الذى لا فضل لأحد فيه سوى عبقرية هذا الشعب والتى حركت معها تلقائيا عبقرية الوعى بالخطر لدى معظم الشعوب العربية فإذا بالملايين يخرجون فى ذات التوقيت إلى شوارع بيروت ودمشق وبغداد والخرطوم يرددون نفس الشعارات ونفس الهتافات وليس فى هذه العواصم اتحاد اشتراكى أو تنظيم طليعى حتى ينسب إليه فضل لم يقم به أصلا فى مصر من أجل التقليل من معنى ومغزى الخروج التلقائى والعفوى للشعب المصرى والشعوب العربية دعما لمصر أولا وليس من أجل عبدالناصر فقط! وربما يكون لزاما وواجبا أن أكتب شهادتى عن هذا اليوم كمواطن مصرى كان عمره وقت الحدث الكبير 24 عاما عندما وجدت نفسى أندفع تلقائيا إلى الشارع مع حشد من أصدقائى الذين استضفتهم فى منزلى لمشاهدة خطاب الرئيس المرتقب على شاشة التليفزيون حيث كنا نتوقع أى شىء سوى ما أعلنه عبد الناصر صادما وجارحا لمشاعرنا المأزومة فى هذه اللحظة ولهذا خرجنا إلى الشارع نصرخ ونبكى وكأننا نعبر عن المخاض الشعبى الذى أدى إلى ولادة الأغنية التى كتبها الشاعر صالح جودت ولحنها رياض السنباطى وغنتها أم كلثوم «ابق فأنت الأمل الباقى». وقد أمضينا ليلتين كاملتين – دون نوم - عند أعتاب مجلس الأمة حتى أعلن أنور السادات قرار عبد الناصر بالاستجابة إلى صوت الشعب فغادر أصدقائى إلى منازلهم، بينما توجهت أنا إلى مبنى الأهرام القديم لأؤدى عملى بعد انقطاع دام يومين.. وبعد أسابيع قليلة تلقيت خبر الاستدعاء للخدمة العسكرية التى امتدت ل 7 سنوات عايشت خلالها أمجد لحظات الوطن خلال سنوات حرب الاستنزاف حتى تحقق نصر أكتوبر عام 1973. خير الكلام: مهما كان الخطأ فادحا فإن بالإمكان إصلاحه. [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله