وضع السياسة الاقتصادية فى وقت يشهد فيه العالم تطورات متسارعه وصراعات مختلفة ، أصبح أمرا معقدا وخطيرا يتطلب التواصل مع الجمهور باعتباره عنصرا أساسيا فى نجاح تنفيذ السياسات وتطبيق آليات الإصلاح والنمو، وأصبح التواصل حاليا أداة من أدوات السياسات، ولكنه لا يمكن أن يكون بديلا للسياسات الجيدة. ووفقا لدراسة قام بها صندوق النقد الدولى ، تشير الى انه من المرجح فشل الإصلاحات الاقتصادية أو حتى تنتكس، ما لم تكن مفهومة ومصدقة ومقبولة ممن تؤثر عليهم، وينطبق نفس المبدأ على مجموعة واسعة من السياسات النقدية و المالية وسياسات المالية العامة والسياسات الهيكلية. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح بمقدور أعداد متنامية من الناس، أن تعبر عن آرائها بشأن السياسات العامة، مما ينشئ توقعات متزايدة بتحقيق الشفافية والمساءلة حول العالم، ونتيجة لذلك يواجه صناع السياسات ضغوطا متزايدة أيضا لتفسير إجراءاتهم بصورة أفضل للجمهور الأوسع. ويحدد خبراء صندوق النقد الدولى 3 تحديات رئيسية فيما يتعلق بالتواصل مع الجمهور، وذلك لتقديم رؤية عامة للحكومات لكيفية التعامل مع مختلف المجالات، وبالطبع، يواجه كل مجال من المجالات التى تغطيها السياسات تحدياته الفريدة ، فيما يتعلق بالتواصل، ولكن بينها قواسم مشتركة تكفى لأن يتعلم صناع السياسات فى كل مجال من تجارب الآخرين. ويتمثل التحدى الأول، فى بناء الثقة والتى تعتبر عنصرا محوريا لكفاءة عمل أى اقتصاد، ونجاح إصلاحاته، وتوضح استطلاعات الرأى فى عدة بلدان أن الثقة فى المؤسسات والخبراء تشهد تراجعا طويل الأمد ، وبصورة تزداد عمقا، ويبدو أن الآثار العميقة للأزمة المالية العالمية، وتزايد عدم المساواة، والاستقطاب السياسي، وعدم وجود اهتمام صادق باحتياجات المواطنين، كلها أسهمت فى التأثير على الثقة. ويمكن أن يسهم التواصل بدور محورى فى استعادة الثقة والحفاظ عليها، غير أن الثقة ليست شيئا تسهل إعادة بنائه بعد أن ينهار، وتفشل جهود استعادتها إذا تصور الناس أن التواصل مجرد محاولة أخرى للتلاعب أو المناورة، وبدلا من استعادة الثقة فقد تؤدى هذه الجهود إلى جعلها أكثر ضعفا، وحتى يتحقق لها النجاح، يجب أن يكون كل من السياسات وعمليات التواصل جديرا بالثقة. والتحدى الثانى للتواصل الفعال هو التعلم من التجربة، وضبط عملية التواصل لتتناسب مع المجالات المختلفة التى تغطيها السياسات، فعلى سبيل المثال، غالبا ما يتم التواصل بشأن السياسة النقدية ضمن إطار مستقر لهذه السياسة يسهم بدور محورى فى إدارة التوقعات التضخمية، وهناك عدد كبير من الأدبيات التجريبية حول سبل إنجاح هذا النوع من التواصل، بينما على العكس من ذلك، بالنسبة للسياسة المالية، هناك تحديات تتعلق بتحديد درجة الشفافية الصحيحة لتجنب زعزعة استقرار الأسواق المالية. وفى مجال سياسات المالية العامة والسياسات الهيكلية، غالبا ما تكون اعتبارات الاقتصاد السياسى أى من يحصل على ماذا ومتى وكيف ، وهى التى تحتل الصدارة فى عمليات التواصل، مع إعطاء أهمية كبيرة للاستماع إلى الجمهور وإقناعه. فالبرازيل، على سبيل المثال، كانت رائدة فى مراعاة المشاركة العامة فى عملية إعداد الميزانية، ثم انتشرت هذه الممارسة فى كل أنحاء أمريكا اللاتينية. وفى كثير من البلدان، أصبح القانون يشترط الاستماع إلى منظمات المجتمع المدنى واستشارتها حول أولويات الميزانية. والتحدى الثالث يتمثل فى اكتساب قدرات جديدة فى مجال التواصل، فرغم تنوع المجالات التى تغطيها السياسات، فإن التواصل الفعال مع قاعدة جماهيرية أوسع يشكل عاملا أساسيا بالنسبة لكل البلدان، والنجاح فى تحقيقه، يتعلق بالقدرة على الارتقاء المستمر بقدرات التواصل، والاستفادة من التكنولوجيات الجديدة، واستخدام قنوات متعددة.