لا تخلو السياسات الخارجية للدول الكبرى من تناقضات. مصالحها المتشعبة، فى أنحاء العالم تدفعها إلى سياسات تبدو متناقضة. واتهام هذه الدول، أو كثير منها، بأنها تتبنى معايير مزدوجة أحد مظاهر هذا التناقض الذى نجد ما يدل عليه فى سياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب. ولكن بخلاف تناقضات ملحوظة، وموروث بعضها من إدارات سابقة، لم يلفت الانتباه بعد التناقض فى سياسة هذه الإدارة تجاه الخلاف مع الصين من ناحية، والصراع الفلسطينى - الإسرائيلى من الناحية الثانية. ومناط التناقض، هنا، هو موقع مسألة العولمة فى سياسة إدارة ترامب. يُنظر إلى اتجاه هذه الإدارة نحو تصعيد النزاع التجارى ضد الصين بوصفه سياسة مضادة للعولمة الاقتصادية, لأنها تقيم حواجز أمام التجارة معها, وتفرض رسوماً مرتفعة على واردات أمريكية منها، وتحظر التعامل مع بعض شركاتها. إنها إذن السياسة الحمائية, التى بدا عند تأسيس منظمة التجارة العالمية عام 1995، أن زمنها أوشك على الانقضاء. ولكن فى المقابل تضع إدارة ترامب خطتها السلمية الجديدة لحل الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى (صفقة القرن) على ترتيبات تدخل فى إطار العولمة الاقتصادية. المُكَّون الاقتصادى أساسى، إن لم يكن هو الأساس فى الخطة الأمريكية، إلى حد أن أحد الخبراء الذين التقوا صانعها الأول جاريد كوشنر فى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى فى الثانى من مايو الماضى قال عنها إنها عبارة عن اقتصاد ثم أشياء أخرى Economy Plus. وهذا المكَّون الاقتصادى عالمى تتعدد أطرافه على المستويين الإقليمى والدولى. وهذا واضح فى ورشة العمل الاقتصادية التى ستستضيفها المنامة فى 25 يونيو الحالى لبحث الترتيبات الاقتصادية المتعلقة بالخطة، فيما يُعد خطوة أولى لترويجها. المدعوون إلى هذه الورشة حكومات ومنظمات ومجتمع مدنى وشركات ومستثمرون من عدد معتبر من الدول. والمشروعات التى يتوقع طرحها، فى إطار هذه الخطة، ستكون عالمية ليس من حيث من ينفذونها فقط، ولكن من زاوية الأماكن التى سيُقام بعضها فيها أيضاً. سياسة ضد العولمة فى التجارة مع الصين. وسياسة تعتمد على العولمة فى صفقة القرن، تناقض ليس جديداً، ولن يكون أخيراً. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد