اقترب الإبداع الأدبى من الجو الدينى فى البيئات المختلفة كالريف أو الصعيد، أو الحى الشعبى حيث تتبدى بساطة الناس وتلقائيتهم وحرصهم على ممارسة الطقوس الدينية بكل مافيها من تجليات دينية وتراثية. ورصد الإبداع حالات البهجة التى يستشعرها الإنسان فى الأعياد والموالد والمناسبات الدينية، وقام بتوظيفها خلال السياق الأدبى من أجل إبراز الحالة المزاجية فى لحظات البهجة، أو لحظات الحزن، أو توصيف الطقس الشعبى والدينى، أو الاهتمام بمفردة مكانية لها أهمية عند البشر. وصور الأدب فى هذا الجو الدينى حالات الفرح والشعور بالسعادة الناتجة عن التآلف الوجدانى والاجتماعى الذى يتلاءم مع دعوة الدين إلى الرحمة والمودة وحسن العشرة. ولقد حرصت بعض الأعمال الأدبية على تصوير التقاليد المتبعة والمتمثلة فى زيارة قبور الأهل والأقارب صباح يوم العيد، وفى العيد كما صور ذلك نجيب محفوظ يفترش الباعة الأرض ويعرضون اللعب والبالونات والأساور ويبيعون الحلوى والكنافة والخوص وأنواع المخبوزات. وكانوا يستقبلون الزوار الذين يكونون قد خرجوا مبكرين .. لزيارة الموتى.. مرددين السلام عليكم دار قوم مؤمنين. وفى المواسم يبيت الناس فى الأحواش وكأنهم يؤانسون الموتى فى تلك الليالى المباركة، ويظهر عليهم الخشوع، ويتناجون معهم كأنهم يرونهم، ويتذكرون المواقف ويتبادلون الحكايات كأنهم أحياء.. كما ورد فى رواية (أيام الإنسان السبعة) لعبدالحكيم قاسم. ولعل رواية «قنديل أم هاشم» أن تكون من الأعمال المهمة التى صورت هذا الجو الطقسى بسطوته وعمق تأثيره. وفى قصة جميلة خلصت لفرحة العيد للروائى (فؤاد قنديل) بعنوان (كيف أصبحت بالونة.. يا محمد)، رصد الكاتب بهجة الطفولة وهى تستقبل العيد فى لغة شاعرية بهجة هى الأخرى تعكس سعادة النفس وفرحتها. (تفجرت الابتسامات والضحكات من القلوب وتصاعدت إلى الشفاة والوجوه والعيون). وفى هذا اليوم يحيى الناس بعضهم بعضا، ويتزاورون ويجددون العلاقات. وكان بيت «العليمى» واحدا من البيوت التى يتجمع فيها الأهل والأقارب والجيران صباح يوم العيد، ويتلقى «محمد» العيدية من الأهل والأقارب حتى امتلأ جيبه فراح يبحث عن أماكن الفرح، واشترى، وركب حتى فرغ جيبه. وصور الكاتب ما صاحبه من دلائل البشر فى اختزال جميل (تتعالى فقاقيع الفرح والمرح.. وتبدو المدينة الصغيرة طفلة كبيرة). وحى عاد بدت عليه آثار اللهو الزائد فانسحب إلى الغرفة. وعثر على بالونة. وفى جو فانتازى يواكب انطلاقة الصغار وخيالهم الجامح. راح الولد ينفخ البالونة.. وكانت تكبر، وتكبر، وهو يصغر ويتضاءل حتى أصبحت بحجم الغرفة مما أدى إلى اتلاف بعض الأغراض. دفع الأهل باب الغرفة واندهشوا وهم يرون البالونة فى شكل هلامى، تتلاعب بالصغير حتى كادت تؤذيه. واستطاع احدهم أن يغرز فيها دبوسا.. فخرج الهواء زاعقا كالصغير. لقد اختلط الخيال الفانتازى فى القصة بخيال الطفل المتجاوز وهو يصنع بهجته يوم العيد، ويحقق رغباته المنطلقة، وجاء ذلك فى امتزاج فنى بين الدين والطقس الشعبى الذى يستدعى الجن فى مواقف لها طابع الغرابة والخروج عن المألوف، فيطالب الأهل بالعفو والسماح من الجن الذين يتلبسون البيت وأهله. لمزيد من مقالات محمد قطب