لا أحد ينكر أن التحديات التى يواجهها العقل العربى فى عصر «العولمة» تحديات كبيرة ومتنوعة من شدة العواصف الثقافية التى تنهال عليه من كل صوب لتنال من رسوخ حالة التعايش التى ورثناها جيلا بعد جيل مع أنماط حياتنا الاجتماعية ذات الصلة الوثيقة بعمق الاعتقاد الدينى فى هذه المنطقة من العالم. ومع التسليم بأن هذه التحديات آخذة فى التصاعد بآليات إعلامية ومعرفية تفوق قدراتنا الذاتية إلا أن درجة تأثرنا بهذه العواصف الثقافية والسلوكية تجاوزت كل حدود الأمان للحفاظ على الثقافة والهوية بسبب تراجع الاهتمام بالمنظومة الثقافية لدرجة أن صورة وأوضاع المثقف الحقيقى فى العالم العربى باتت صورة مأساوية قياسا على المجالات الأخرى بما فى ذلك كرة القدم التى أصبحت حلما يسعى إليه شباب الأمة، بينما تظهر مؤشرات جادة تحذر من أن مهنة المثقف مهنة فى طريقها إلى الانقراض. ولا شك أن ظروفا ذاتية وموضوعية كثيرة ساعدت على وصول مهنة الثقافة إلى ما وصلت إليه فى بلادنا فالمدرسة لم تعد تعنى بتدريس اللغة العربية إلى حد أن الطالب يطرق أبواب الجامعة بعد إنهاء دراسته بالمرحلة الثانوية وهو لا يجيد لغته العربية وأبسط قواعد النحو والإملاء ولهذا نرى كتابات صحفية مليئة بالأخطاء وأحاديث إذاعية وتليفزيونية تشكل إهانة للغة القرآن الكريم بل إن أحد أساتذة كلية الآداب شكا لى فى حديث خاص من أن نسبة عالية من رسائل الماجستير والدكتوراة صيغة بلغة ركيكة تخلو من الفهم الصحيح للتراث العربى والاستيعاب الواجب للثقافة التقليدية. وظنى أننا نخطئ كثيرا إذا تصورنا أن النهضة تتحقق فى أى وطن بفضل تقدم العلوم والتكنولوجيا فقط وإنما لابد من بنيان ثقافى مواز يحث على الهمة الوطنية ويشجع على التميز والجدية فتلك هى قيمة وأهمية الثقافة وتلك هى رسالتها الحقيقية وليست الرسالة السطحية التى يراد تعميمها لكى يصبح المثقفون الذين يطلون على الرأى العام مجرد «حكواتية» فى خدمة السلوكيات الاستهلاكية المدمرة للدول الفقيرة فى الوعى والفقيرة فى الثروة على حد سواء! وعلى كل من بيدهم الأمر على كافة المستويات أن ينتبهوا إلى خطورة الاستهانة بأهمية ودور الثقافة فى نهضة الأمم والشعوب!. خير الكلام: جرح الحقيقة أفضل من العيش بالأوهام!. [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله