يبدو أن توقعات المتفائلين بسرعة تجاوز السودان لأزمة ما بعد انتهاء حكم البشير وأعوانه كان مبالغا فيها، فالأزمة تتعقد وتتجاوز حدود طرفى النزاع، قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، ويمر الوقت بدون ظهور بوادر اتفاق أو شبه اتفاق على تشكيل مجلس السيادة الانتقالى ولمن تكون رئاسته، الطرف الأول الممثل فى الحرية والتغيير الذى حمل على عاتقه معارضة نظام البشير حتى القضاء عليه، أم المجلس العسكرى الذى وقف بجانب رغبة الشعب السودانى وتتدخل فى الوقت المناسب لاعتقال البشير وانهاء حكمه الذى تواصل لثلاثين عاما تقريبا كانت الأسوأ فى تاريخ السودان من قمع ونهب وسرقة وفساد. لب الأزمة فى السودان أن الشعب يرى أحقيته فى إدارة الفترة الانتقالية وتكون له الغلبة فى أى مجلس انتقالي، فالشعب هو الذى تحمل التعذيب والفقر والذل والهوان والانقسام، والشعب هو الذى اعترض ونزل الى الميادين ليبدى رأيه فى دولة البشير، والشعب هو الذى تعرض للقتل والإصابات.. ولسان هذا الشعب يقول إن كل هذه التضحيات ونجاحنا فى الضغط على البشير حتى إزاحته عن الحكم وكشف عوراته وفساد حكمه تمنحنا الحق فى إدارة السودان، فالذى ضحى يملك الحق فى إدارة السلطة. والشعب يقول أيضا إن الجيش كان بعيدا فى بداية الصراع ووقف محايدا ولم يبد رغبة فى التدخل لمصلحة الشعب، ثم قرر التدخل حين تهيأت فقط فرصة القضاء على البشير تماما بتدافع الجماهير الى الشوارع والميادين. ثم بعد أن يتمكن الشعب من تنفيذ حلمه وإزاحة الطاغية يأتى الجيش ويريد التحكم فى الإدارة الانتقالية، علما بأنه لولا دعم الجيش للشعب لما ذهب البشير للجحيم. الأزمة فى السودان تتفاقم ولا يظهر فى الأفق القريب أى بوادر حل، خاصة مع إعلان قوى الحرية والتغيير الإضراب السياسى العام بعد تعثر مفاوضاته مع المجلس العسكرى الانتقالى الحاكم الذى يرفض قبول إدارة مدنية لمجلس السيادة الانتقالي. لمزيد من مقالات محمد أمين المصرى