طيلة الحرب الباردة، كانت أوروبا مسرحا لصراع أمريكى - روسى، أدى لتقسيمها إلى غربية وشرقية يفصلهما حائط برلين. الآن يكاد ينتهى صراع واشنطن وموسكو ليحل تحالف غير مباشر بينهما ضد الاتحاد الأوروبى، وذروته انتخابات البرلمان الأوروبى اليوم. ومن يقرأ تصريحات الرئيس الفرنسى ماكرون قبل أيام، يجده لا يعتبر الانتخابات تنافسا ديمقراطيا، بل معركة يريدها اليمين الشعبوى رأس حربة لتفكيك الاتحاد، بدعم روسى وأمريكى. ونظرا لأن الخطر وجودى، فإن ماكرون سمى الأشياء بمسمياتها، فهناك تواطؤ بين الشعبويين ومصالح أجنبية، وتحديدا ستيف بانون كبير مستشارى ترامب السابق ورجال أعمال روس مرتبطين بأعلى مستويات الدولة الروسية. المستشارة الألمانية ميركل عزفت نفس نغمة ماكرون قائلة: علينا الوقوف بوجه من يبيعون أنفسهم (اليمين المتشدد) والراغبين فى تدمير أوروبا وقيمها. ولأن المعركة لها أطراف أجنبية، فإن الاهتمام شديد بالدور الأمريكى الذى بدا صريحا من خلال بانون المخترق لحدود الدول الأوروبية والداعى إلى أن يكون اليمين الفاشى، بديلا للأحزاب التقليدية. ويعتقد بانون أن أوروبا متقدمة على أمريكا سياسيا من 6 شهور إلى سنة، وظهر ذلك عندما صوت البريطانيون للخروج من الاتحاد الأوروبى يونيو 2016، وكان ذلك إيذانا بظهور قوة التيار الشعبوى ليفوز ترامب بالرئاسة نوفمبر 2016. والآن، سيكون فوز المتشددين بالانتخابات الأوروبية، مقدمة لفوز ترامب بفترة ثانية 2020. أما روسيا، فيتهمها محققون وأكاديميون أوروبيون بإدارة حملة سرية لتأجيج الصراعات وإضعاف المؤسسات الأوروبية عبر دعم مرشحين محددين ونشر معلومات كاذبة على مواقع التواصل، فى تكرار لدورها بالانتخابات الأمريكية عندما انحازت لترامب وشوهت هيلارى. أما اليمين المتشدد، فإنه مستعد لفعل أى شيء للفوز، حتى لو انخرط فى الفساد مثل نائب المستشار النمساوى الذى استقال بعد تورطه فى فضيحة الحصول على دعم مالى مقابل إرساء عطاءات حكومية لسيدة روسية. أوروبا الفكرة والهوية والمؤسسات تخوض معركتها الأخيرة، وهى ممزقة يشدها اليمين المتطرف بدعم أمريكى روسى لتكون منغلقة على نفسها تكره الأجانب وتعادى الديمقراطية، بينما يحاول تيار الوسط (يمين ويسار) إنقاذها من الفاشيين ومؤيديهم. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالله عبد السلام