لا تلوموا على الإعلام المصرى حديثه بلغة واحدة، فيما يتعلق بتناوله للشأن المصري، فالإعلام الأجنبى يفعل الشيء نفسه، ولكن بالعكس، فإذا كان إعلامنا منحازا للدولة ومؤسساتها وشعبها، فإن إعلامهم فى تغطيته لما يجرى فى مصر منحاز فقط لحفنة من المصادر والنخب التى لا تعبر معظمها سوى عن المقابل المالى الذى تحصل عليه نظير قلب الحقائق والتطاول على مصر والتحريض عليها. بعد انكشاف الحقائق فى مصر وما حولها، وبعد أن ثبتت صحة المعادلة المصرية فى "الاستثمار فى الاستقرار"، وسط عواصف الربيع العاتية، عادت "ريما" لعادتها القديمة، واستأنفت وسائل الإعلام الأجنبية تغليب توجهاتها الجامدة عن الشأن المصري، وواصلت حبس نفسهم داخل زنازين ضيوفها ونجومها وآرائهم التى تعكس توجهات حفنة قليلة جدا من المصريين، فعادت من جديد للعبة الاستعانة بشخصيات معادية للدولة المصرية معروفة بدعمها لجماعة الإخوان الإرهابية، لفرض نفسها كمعلقين على ما يجرى فى مصر وما حولها من أحداث، سواء منذ نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية، التى يفترض أنها جاءت قاطعة و«مفحمة»، أو حتى فى ظل التطورات المثيرة التى شهدتها المنطقة خلال الأسابيع الماضية، ومن بينها الوضع الجديد فى ليبيا، والتقلبات فى السودان والجزائر، ثم التوتر والخطر فى منطقة الخليج. وتصدر تلك الشخصيات التى استضافتها وسائل إعلام أجنبية مثل «رويترز» وسي.إن.إن وأسوشييتدبرس وغيرها الباحثة الأمريكية ميشيل دان، الإعلامى ديفيد كيركباتريك، اللذين سبق منعهما من دخول مصر لعلاقاتهما القوية مع التنظيم الإرهابي، بجانب ممثل باحث عن الشهرة والأدوار فى هوليود، مقابل متاجرته بالشعارات وعدم احترامه لإرادة شعبه، واستقوائه الصريح والمخجل بالخارج. عبر هذه الوسائل الإعلامية، تسابق هؤلاء بصورة فاضحة ومشبوهة على تشويه الحقائق وإنكارها، وتوجيه الإساءة للمواطنين المصريين المؤيدين والداعمين لبلدهم، فى تكرار لمقولات الجماعة الإرهابية التى لفظها الشعب المصري، وبدأت دول العالم أيضا تلفظها تباعا بعد انكشاف حقيقتها، حيث سعت هذه المنصات الإعلامية فى الفترة الأخيرة إلى بث الروح من جديد فى أجساد هؤلاء »الموتى«، عبر فرضهم على مشاهديها وجمهورها، واستخدامهم فى ترويج التقارير والأخبار المفبركة والمتناقضة، وكأننا نعيد عقارب الساعة إلى الوراء. ولكن كل ما بثته وسائل الإعلام فى كفة، وما فعلته هيئة الإذاعة البريطانية »بي.بي.سي.«، إحدى المنصات الرئيسية لمعادة الدولة المصرية، والترويج لمصائب الربيع العربي، كان فى كفة أخرى تماما، لأنها تورطت أمام العالم أجمع فى »مصيبة« أنها قالت ما لا تفعل، وفعلت ما لا تؤمن به! فقد بثت فضائية »بي.بي.سي« العربية بتاريخ 18 أبريل 2019 حلقة من برنامجها »بتوقيت مصر« تضمنت فيديو عن أحمد ماهر مؤسس حركة 6 أبريل، جرى تصويره بواسطة الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، حول شكاوى المذكور من تعرضه للاضطهاد من جانب أجهزة الأمن بسبب مواقفه السياسية المعارضة. كما تضمنت الحلقة نفسها مطالبة الحقوقى نجاد البرعى الدولة بالتساهل مع السياسيين المفرج عنهم والملزمين بأداء فترة مراقبة شرطية، بما يتيح لهم المبيت فى منازلهم وليس فى أقسام الشرطة، زاعما عدم قانونية احتجازهم فترة الليل بها. وبهذا، أكدت بى بى سى أنها لن تحيد عن موقفها تجاه الدولة المصرية، مع مواصلة ادعاء المهنية والموضوعية. ولكن، لم تكد تمر أيام قليلة حتى قدمت الشبكة البريطانية نفسها درسا بليغا فى حرية الإعلام للعالم بأكمله، عندما قررت طرد أحد مذيعيها المشهورين، وهو دانى بيكر، بسبب تعليقات غير لائقة، بحق المولود الملكى الجديد الذى استقبله الأمير هارى وزوجته ميجان ماركل! لم يكن مذيع البى بى سى المطرود متهما بتفجير مسجد أو كنيسة، أو بإحراق منشأة، أو بتدمير مدرعة جيش أو شرطة، أو بقتل مدنيين، أو بذبح أطفال، أو بالتحريض على قلب نظام الحكم، أو ثورات للأبد، ولم يستدع تدخلا عسكريا أجنبيا فى بلاده، ولم يروج للفوضى أو العنف أو الإرهاب، ولكن كل ما فعله أنه شبه المولود الجديد بالشمبانزي، فى دعابة سخيفة بالفعل، ولكنها فى كل الأحوال لا ترقى إلى جرائم الإرهاب وزعزعة الأمن القومي. طرد بيكر بتهمة العنصرية، وغياب المهنية، كان يستدعى إعادة فرز ضيوف وخبراء و«مصادر« البى بى سي، الذين يملأون منصاتها بكل ما لذ وطاب من المخالفات والانتهاكات التى تفوق بكثير ما فعله بيكر، على الأقل حتى يستطيع جمهور الشبكة البريطانية العريقة الاقتناع بمصداقيتها ونزاهة ما تقدمه من محتوى إعلامي، وبخاصة ما يتعلق بمصر ودول المنطقة.إفعلوها، وراجعوا سياستكم تجاه مصر، ليس من أجل جمهوركم فى المنطقة العربية، لأنه فقد الثقة فيما تقدمونه منذ زمن، ولكن على الأقل لوقف خداع الرأى العام العالمي، الذى لا يمكن أن يقبل رسالة إعلامية ذات وجهين، ولا يرضى مواصلة الاستماع إلى الشيطان وهو يعظ!