بالرغم من أن المرأة تشكل 48% من سكان الهند، إلا أن الخبراء اكتشفوا غياب أكثر من 21مليون سيدة من كشوف الناخبين، بمتوسط 38 ألف ناخبة من كل دائرة انتخابية بالهند، لا يعلم أحد عنهن شيئا، بالرغم من قواعد التسجيل الدقيقة والصارمة التى اتبعتها الحكومة. الخبر قد يبدو صادما في البداية، لكن لدى دراسة الوضع فى البلاد عن كثب، قد يكون ذلك منطقيا ومتوقعا بدرجة كبيرة . فالهند تعانى منذ سنوات طويلة تراجع الأصوات الانتخابية النسائية. ففى العام الماضى، اكتشف تقرير حكومى غياب نحو63 مليون صوت نسائى من كشوف الناخبين، أى نحو 20% من إجمالى أصوات المرأة الهندية.ويرجع الخبراء ذلك لبعض المعتقدات والموروثات الاجتماعية المعقدة، موضحين أن بعض الأسر ترفض، على سبيل المثال، تسجيل بناتهم، خوفا من أن يؤدى ذلك إلى الإضرار بفرصهن فى الزواج، إذا تم الإعلان عن أعمارهن الحقيقية. ولا يعد ذلك مستغربا فى الهند، فالنساء هناك تعانى تهميشا كبيرا فى شتى نواحى الحياة. ولا يأتى التهميش السياسى سوى تكميلي لكل ذلك. وفى هذا الصدد، يشير تقرير لشبكة « سى.إن.إن» الإخبارية الأمريكية إلى أن العنصرية ضد المرأة الهندية تبدأ في رحم أمها. إذ تميل بعض الأسر الهندية لإجهاض الأجنة الإناث لتفضيلهم للذكور، بمعدل يتراوح ما بين 300 إلى600 ألف عملية إجهاض فى العام. وهو ما أحدث خللا ملحوظا في تركيبة المجتمع الهندى بين الجنسين. ذلك فضلا عن اختلاف طريقة تعامل الأسرة مع أبنائها من الجنسين، إذ تميل الأسر الهندية لتمييز الذكورعن الإناث في عدة مجالات، بدءا من طبيعة الملبس والمأكل وحتى التعليم والميراث والحق فى اختيار شريك الحياة. حتى بعد الزواج، يتواصل ذلك التمييز، لتتعرض المرأة لكافة أشكال الضرب والإهانة على يد الزوج أو أحد أقاربه. وذكرت دراسة لمنظمة الأممالمتحدة ، في هذا السياق، أن أكثر من نصف الرجال الهنود لا يعارضون فكرة ضرب زوجاتهم تحت ظروف معينة. وبعيدا عن الأسرة الهندية، فإن الوضع اجتماعيا أسوأ ويمثل تهديدا أكبر للمرأة ولسلامتها. فقد كشفت دراسة حديثة لوكالة أنباء رويترز أن الهند أكثر الدول خطورة بالنسبة للنساء، وأرجعت الدراسة ذلك إلى ارتفاع معدلات الاغتصاب والجريمة ضد النساء فى الهند. فالبلاد تسجل نحو 25 ألف حالة اغتصاب سنويا ، نصفهم تقريبا من القصر، ومع ذلك تبقى الأرقام غير المعلنة أكبر وأكثر فجاجة. الحكومة،من جانبها، تعى ذلك جيدا، ولا تدخر جهدا فى إصدار تشريعات تحمى المرأة وتدعم موقفها، فضلا عن اتخاذها بعض الإجراءات كزيادة أعداد الشرطيات النساء لدى وزراة الداخلية ، إذ لا تتجاوز نسبتهن الحالية ال7%. كذلك تم إنشاء خطوط خاصة للإبلاغ على الفورعن حالات الاغتصاب، بل وشرعت بعض الولايات في إنشاء مواقع إلكترونية لنشر صور وأسماء المتورطين في جرائم الاغتصاب لفضحهم على نطاق واسع. كما أعلنت السلطات الهندية إنشاء محاكم مختصة، مهمتها البت السريع فى جرائم الاغتصاب. وفضلا عن الموقف الرسمى، خرجت الكثير من الحركات الاجتماعية مؤخرا للدفاع عن المرأة ضد جرائم التحرش والاغتصاب ،ولكسر هالة الصمت التى تحيط دوما بتلك الجرائم ، خوفا من «فضيحة مزعومة» للضحية وأهلها. ولعل أشهر تلك الحركات ،كانت «مى توو» ، التى انطلقت من هوليوود لتجد صداها فى الهند، وتمكنت من القصاص للكثيرات، وإقالة بعض المسئولين، مثل نائب وزير الخارجية الهندى السابق إم جى أكبر. حتى الحملات الانتخابية الحالية حملت الكثير من الوعود للنساء، كحزب المؤتمر لراهول غاندى الذى تعهد بتخصيص ثلث وظائف الحكومة الاتحادية للنساء في حالة صعوده إلى السلطة.كما رشحت أحزاب أخرى نساء للمنافسة على ثلث المقاعد في الانتخابات البرلمانية.وكان مشروع القانون الذى يقضى بتخصيص 33 % من مقاعد المجالس الوطنية ومجالس الولايات للنساء معطلا منذ 20 عاماً. لكن يبدو أن الحراك المجتمعى الكبير الذى شهدته الهند مؤخرا لصالح المرأة، قرر إنصافها ومنحها أبسط حقوقها، المنصوص عليها في الدستور منذ عقدين من الزمان. فبالرغم من بعض الإخفاقات، فإنه تبقى هناك نقاط نور تشير إلى أن القادم أفضل.