فى عام 1965، قرر الثائر الكوبى الأرجنتينى المولد تشى جيفارا ترك مناصبه فى كوبا، وكان عمليا الرجل الثانى بعد كاسترو، لنشر الثورة فى العالم لينتهى به المطاف مقتولا عام 1967، على أيدى قوات النظام المدعوم أمريكيا فى بوليفيا. ثم دار الزمن دورته، ليقوم ستيف بانون المستشار الإستراتيجى السابق للرئيس ترامب بدور جيفارا معكوسا، فقد أقيل من منصبه عام 2017، ليتوجه بعدها إلى أوروبا لإشعال ثورة اليمين المتطرف ضد اليسار واليمين المعتدل والليبرالية والمهاجرين. وتصرف بانون باعتباره سوبرمان يخترق حدود وقوانين الدول ويعقد الاجتماعات وينظم اللقاءات الجماهيرية كى يغير الخريطة السياسية وينسف الأحزاب التقليدية ويحقق ما فشل فى تحقيقه مع ترامب بعد أن أسهم فى إيصاله للحكم ثم قذف به ترامب خارج النافذة، كما فعل مع كثيرين. للوهلة الأولي، بدت التجربة مبهرة، فقد رحب به اليمين المتطرف عبر أوروبا، ودعمه فى إنشاء منظمة الحركة لتكون رأس الحربة فى المعركة ضد الاعتدال، وسلط الإعلام اليمينى أضواء ساطعة عليه، واعتبره أسطورة حية تعيش بيننا. لكن بانون سرعان ما اصطدم بالواقع الذى ركله بقسوة وكذلك أفكاره. فقد اكتشف أن قوانين دول عديدة لا تسمح له بالعمل السياسى على أراضيها، كما أن كثيرين نظروا إليه على أنه كاوبوى أمريكى جاء من أجل المال. وقد تحدثت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسى لوبن قائلة: بانون أمريكى والأمر يعود للأوروبيين فى إعادة هيكلة أحزابهم. ثم إن حلمه بتوحيد اليمين المتشدد اصطدم ببدهية معروفة أوروبيا، وهى أن كل زعيم شعبوى تقريبا لايكلم زميله، فهم مثل اليسار المتطرف لا يطيقون بعضهم رغم تقارب أفكارهم. إزاء كل ذلك، تحطمت الأحلام، وأصبح ما يريده الشعبويون الأوروبيون منه أن يشجع فقط على تحقيق نتائج أفضل فى الانتخابات. أما عن منظمة الحركة فيمكن أن تكون منتدى دافوس اليمين، أى للكلام فقط. ولأنه نبى زائف، فقد انتهت مغامرته أو كادت بسرعة ولم تترك سوى الضجيج الذى يرافق الحركات الشعبوبة على أى حال، أى أنه، حتى فى ذلك، لم يضف جديدا. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالله عبد السلام