الإسكندرية هى المسرح المفتوح على الزمان، أى على مختلف الأزمنة والأماكن، فهى المدينة العبقرية القادرة على احتواء الحضارات على مر العصور مع الحفاظ على هويتها فلا تفقدها، وعلى ملامحها الخاصة التى اكتسبتها طوال تاريخها، مرورا بالعصور الفرعونية واليونانية والقبطية والإسلامية.. إنها الإسكندريةالمدينة متعددة الثقافات والمنفتحة على العالم كله، ومن منا لم يكن ضمن أصدقائه أو جيرانه أسر يونانية أو إيطالية أو أرمينية أو من كريت وكان يطلق عليهم «الكريتلية» ويتحدثون لغتنا العربية، ولكن بلكنة مختلفة محببة إلى آذاننا، وقد تعلمنا منهم بعض كلماتهم البسيطة، وأنطقناهم لغتنا كلها، وتأثرنا ببعض عاداتهم وطباعهم، وأحببنا عشقهم النظافة والبساطة والزهور، فما كانت تخلو شرفاتهم ولا نوافذهم أبدا من نباتات مختلفة جميلة ورقيقة ومزهرة تضيف سحرا وجمالا على المكان وبساطته.. إنها الإسكندرية التى قال عنها أمير الشعراء أحمد شوقى إنها ملهمة القصيد وخميلة الحكماء والشعراء، ووصفها الشاعر الانجليزى لورانس داريل بالمدينة «نصف الخيالية» فى كتابه «رباعية الإسكندرية»، إنها الإسكندرية التى أحبها محمد على باشا، وأنشأ فيها ميدانا يعد من أجمل وأهم ميادين العالم وهو ميدان «القناصل» أو «المنشية» كما يسمى الآن، وجاء الخديو إسماعيل وأشرف بنفسه على تخطيط الشوارع بدقة هندسية، ودعم البنية التحتية للمدينة من كهرباء ومياه، ثم جاء الأجانب من إيطاليا وفرنسا، وبنوا فيها البنايات والقصور والڤيلات لتمثل نماذج رائعة للفن الحديث والعمارة الجميلة.. إنها الإسكندرية صاحبة الأسواق الشعبية القديمة مقصد السياح مثل «زنقة الستات» و«الخيط» و«الترك» و«المغاربة» و«العقادين» و«الصاغة» و«حلقة السمك» و«العطارين» ولكل سوق حكاية وتاريخ.. إنها الإسكندرية، حيث عمارات شارع شريف المتشابهة تماما مع عمارات شارع ريڤولى بباريس، وبنايات شارع فؤاد، أو كما أحب تسميته «متحف شارع فؤاد المفتوح»، تجد العمارات، وقد شيدت بالطراز اليونانى الممزوج بالفن الإيطالى، شارع مازال يحمل عبق التاريخ.. إنها الإسكندرية، بما فيها من حدائق «أنطونيادس» التى هى نسخة مصغرة من حدائق قصر ڤرساى بباريس.. إنها الإسكندرية التى تتنفس الحضارة والتراث، فيكون شهيقها تاريخا وزفيرها عراقة، وما بين شهيق وزفير، تحيا المدينة ونحيا نحن معها وبها، وكم أتمنى أن نتكاتف جميعا كأفراد ومنظمات مجتمع مدنى وحكومة ونعمل من أجل أن تعود كسابق عهدها . خالد مصطفى الغندقلى