من بين قصور حى الزمالك، هناك قصر مميز يلفت نظر العابرين فما هذا القصر؟!.. عائشة فهمى، من أقدم القصور وأجملها فى مصر فهو يقع على نهر النيل فى حى الزمالك.. هذا القصر قام ببنائه عام 1917 على بك فهمى ابن على باشا فهمى، كبير ياوران الملك فؤاد على الطراز الأوروبى على يد الفنان الإيطالى أنطونيو لاشاك. أقام على بك وزوجته الفرنسية لفترة وجيزة بالقصر قبل مقتله لأسباب غامضة فى لندن عام 1921وبعد ذلك قامت أخته السيدة عائشة فهمى بشراء ما يخص العائلة فى ميراث القصر وعاشت فيه حتى عام 1958. الجدير بالذكر أن عائشة تزوجت من الفنان يوسف وهبى وهو من ضمن أزواجها الثلاثة ولكن لم ترزق منه ولا من أى من زوجيها الآخرين بأبناء. انتقلت ملكية القصر إلى وزارة الثقافة ليصبح مكتبا للدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة وقتها ولكن للأسف فيما بعد تحول هذا الميراث التاريخى إلى مخزن لوزارة الإعلام عام 1971، غير أنه فى عام 1975 أنقذ يوسف السباعى وزير الثقافة وقتها القصر من هذا المصير مقررا ضمه إلى هيئة الفنون والآداب وهو قطاع الفنون التشكيلية حاليا. وفى عام 1978صدر قرار جمهورى بتخصيصه كمتحف لمجوهرات أسرة محمد على، غير أن هذا القرار تم إلغاؤه بقرار جمهورى آخر عام 1980، ليعود القصر تحت تصرف وزارة الثقافة فيتحول إلى «مجمع الفنون» حيث استقبل العديد من المعارض الكبرى والمحلية للاتجاهات الفنية والثقافية كافة. وقد أغلق لسنوات طوال حتى تم افتتاحه لاستقبال الزائرين عام 2017 وذلك بعد عمليات ترميم دامت أحد عشر عاما، ثم كان يفتح لاستقبال الجمهور فى فترات إقامة المعارض الفنية وآخرها معرض «ملامح عهد» عام 2019 الموجود حاليا والتى تبنى فيها القصر فكرة التركيز على مرحلة تاريخية مهمة لمصر وهى مرحلة أسرة محمد على لما شهدته من أحداث مختلفة عبر قرن ونصف من الزمان، فالخط الرئيسى للمعرض يعكس أسلوب العرض الذى لا يخرج عن الخط العام لفلسفة سلسلة عروض « كنوز متاحفنا « حيث احتفى فى معرضه الأول بكنوز مصر من اللوحات العالمية ومن أهم المقتنيات، أعمال نحتية وتصوير زيتى لأهم كبار الفنانين العالميين والمصريين ثم المعرض الثانى وتضمن عقود روائع النسيج الإسلامى والقبطى من عصور وثقافات مختلفة مرورا بالألفية الثانية إلى القرن 19. ومن خلال جولتنا فى القصر مع الفنان إيهاب اللبان مدير مجمع الفنون ومعد المعرض، شرح لنا تفاصيل القصر وما تضمنه من لوحات. وقبل دخول القصر مررنا بحدائق تحيطه من كل الجوانب ويحيط القصر والفناء معا سُور من الأحجار يعلوه سُور مشغول من الحديد به ثلاث بوابات كبيرة من الحديد المشغول. وبدأنا مع إيهاب اللبان، الجولة من داخل القصر وهو يشرح أسباب اختيار تمثال مؤسس الأسرة العلوية محمد على باشا فى وسط البهو الرئيسى بالدور الأرضى المصنوع من الجبس، وبجواره أربع لوحات تصويرية تمثل مراحل مختلفة من تاريخ الأسرة وعلى الجانب توجد لوحة لإبراهيم باشا نجل محمد على وفى الجانب الآخر لوحة الخديو إسماعيل يقابلها لوحة الملك فؤاد نجل الخديو إسماعيل، وهذه اللوحات تمثل أربعة عهود متعاقبة من حكم مصر وتوجد لوحة تفصيلية لشجرة العائلة بدءًا من محمد على وحتى الملك فاروق. ويوجد بإحدى الغرف بالطابق الأرضى مجموعة من الميداليات التاريخية المهمة التى تسجل أحداثا سياسية وفنية مرت على مصر خلال هذه الحقبة الزمنية. وبصعودنا الدور الأول من القصر وجدنا غرفة يعرض بداخلها تمثال من البرونز للخديو إسماعيل بالحجم الطبيعى، نفذه المثال المصرى مصطفى متولى وترجع أهمية التمثال لكونه كان مقررا له أن يوضع فى ميدان الإسماعيلية (ميدان التحرير) حيث ظلت قاعدته خاوية حتى منتصف الثمانينيات وتم الكشف عنه أخيرا فى أثناء الإعداد لهذا العرض بمخازن متحف الجزيرة التابع لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة.. نجد أيضا فى إحدى الغرف لوحة زيتية للملك فاروق غير مكتملة دون معرفة الأسباب. ومن أشهر الغرف فى الطابق الأول غرفة البلياردو، أما فى الطابق الثانى، وتوجد الغرفة اليابانية التى تم إهداؤها لعائشة فهمى، حيث نقش على حوائط الغرفة بعض الكلمات والصور اليابانية ويوجد بها تمثالان ذهبيان ويضم الطابق الثانى أيضا غرفة للنوم فى الشتاء وهى غرفة داخلية وأخرى للصيف على النيل، كما توجد غرفة ملابس خاصة بعائشة فهمى. فى كل أرجاء المعرض وجدنا حكايات وقصصا تشرحها الأعمال المعروضة فى سياق هذا العرض الفنى الضخم، توثق لمرحلة مهمة من تاريخ مصر الحديث، من خلال اللوحات التى تحتويه ومنها لوحات لبعض الأمراء فى مرحلة الطفولة والصبا وتوجد أيضا صور فوتوغرافية ولوحات زيتية لبعض الأميرات فى غرفة تخصهن ومن أهم أثاث الغرفة كرسى من الخشب والصدف كان هدية من السيدة هدى شعراوى وسحارة من الصاج الهندى وترابيزة من الخشب الهندى. ومن أهم ما يميز القصر جدرانه التى توجد عليها رسومات من الحرير الطبيعى ونوافذ الشخشيخة العلوية من الزجاج الملون المعشق بالرصاص. واختتم اللبان شرحه بأن القصر يعد تحفة معمارية فريدة تم بناؤها على الطراز الكلاسيكى وبه معرض يضم 120 عملا فنيا من أهم مقتنيات متحف الجزيرة التابع لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، وهو سعيد بأن زواره يتوافدون عليه بزيادة مطردة، كما يقدم المعرض خدمة الشرح التفصيلى للقصر بعدة لغات مع صور توضيحية و يتواجد باستمرار مندوبون من العلاقات العامة يتجولون مع الزوار لتقديم لهم الشرح الوافى ويجيبون عن أى استفسارات ومن الجدير بالذكر أن هناك غرفة بها شاشة لعرض خطوات الترميم. زيارة القصر فى حد ذاتها نزهة ثقافية يقصدها المصريون والأجانب للتعرف على حكايات تاريخية خلال عصر أسرة محمد على، ولابد من التنبيه بأن القصر مفتوح طوال اليوم للزوار، كما أن الدخول والشرح مجانا.