استعدادا للاحتفال بمرور خمسة وعشرين عاما على انعقاد مؤتمر بكين للمرأة، كان من المهم التوقف لتقييم مدى تقدم البلدان المختلفة فى تنفيذ إعلان المؤتمر ومنهاجه فى مجال تحقيق المساواة بين الرجال والنساء، و دور منظمات المجتمع المدنى فى تحقيق هذا التقدم، فضلا عن المعوقات التى تعترض الوصول للأهداف المرجوة. التقييم المذكور هو جزء من عملية تراكمية تنتهى بإعداد تقرير إقليمى عربى يُرفَع إلى لجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة بحلول مارس 2021. وفى هذا الإطار عُقِدَت جلسة تشاورية نظمتها منظمة الإسكوا بالتعاون مع جامعة الدول العربية ومنظمة المرأة العربية وهيئة الأممالمتحدة للمساواة بين الجنسين، وبالتشارك مع كل من المعهد الدنماركى لحقوق الإنسان والمركز الدنماركى المعنى بالچندر والمساواة والتنوع. فى الإجابة على سؤال أين تقف بلداننا العربية بعد ربع قرن من بكين، هناك اتفاق عام على أن إدماج النساء فى المجال العام شهد طفرة ملحوظة اعتبارا من عام 2011، هذه الطفرة يمكن أن نستدل عليها من بعض المؤشرات الإحصائية المتعلقة بنِسَب المشاركة السياسية للمرأة، فمع أننا مازلنا بعيدين عن الوصول إلى تطبيق تناصف المناصب بين الرجال والنساء إلا أن هناك تطورا إيجابيا يصعب إنكاره، وكمثال فإن نسبة التمثيل البرلمانى للنساء العربيات تبلغ حاليا 19% وهى نسبة ليست كبيرة كما نرى لكنها كانت فى عام 2004 لا تزيد على 6%. كما أن التمثيل النسائى على المستوى المحلى مازال محدودا فى مجمله، لكن الشىء الإيجابى بخصوصه هو أن هذا التمثيل أصبح متاحا فى دول كانت تحظره، ومن الإيجابيات الأخرى وصول بعض النساء لمناصب رفيعة على المستوى المحلى كرئاسة البلدية فى تونس أو المحافظة فى مصر. وعلى المستوى التنفيذى أيضا زاد عدد الحقائب الوزارية التى تحملها النساء، وتجاوزت نوعية هذه الحقائب الوزارات التقليدية، بل كان لافتا أن تحصل المرأة على حقيبة الداخلية فى دولة مثل لبنان بكل تعقيداته السياسية والطائفية. وعلى المستوى القضائى كان التطور أبطأ مع بعض اختراقات، وشهدت المجالات الدبلوماسية والبيروقراطية والحزبية اضطرادا فى الحضور النسائى. من جهة أخرى، شاركت النساء فى تشكيل معالم المراحل الانتقالية التالية على اندلاع الثورات العربية، فخاضت معارك حقيقية من أجل تضمين الدساتير الجديدة تمثيلا سياسيا أفضل للنساء، وكلنا نذكر معركة التكامل - المساواة التى دارت فى داخل المجلس الوطنى التأسيسى بتونس وفى لجنة الخمسين بمصر. كما جلست النساء على طاولة الحوار الوطنى والمفاوضات السياسية، بل إنها فى حالة مثل ليبيا استحدثت لنفسها مسارا موازيا لمسار الحوار الرسمى تأكيدا لحضور المرأة فى المستقبل السياسى للدولة. وفى هذا الإطار تشّكل ملتقى النساء لتعزيز دور المرأة فى بناء السلام والسلم المجتمعى، وانبثقت عن هذا الملتقى وثيقة تحمل اسم المرأة الليبية. مرة أخرى لا شك أن الحضور النسائى من الناحية العددية ليس هو الأمثل، لكننا لو قارنا هذا الحضور المحدود بالغياب التام للنساء عن عملية بناء نظمنا السياسية فى مرحلة ما بعد التخلص من الاستعمار لأدركنا أن هناك تحولا وأن هناك صيرورة. وفى عملية الشد والجذب بين قوى التغيير وقوى تثبيت الوضع الراهن أو حتى النكوص عنه، تبرز مجموعة من المحفزات أبرزها تغير الصورة الذهنية المجتمعية عن النساء بفعل الخروج النسائى الكثيف منذ 2011 للتظاهر والانتخاب بل وحتى للترشح، لكن أيضا تبرز مجموعة أخرى من المُربكات أهمها الصراعات المسلحة. هذه الصراعات لا تكتفى فقط بتهميش قضية المساواة التى تبدو غير ذات أولوية فى ظل تصاعد أعمال العنف، لكنها أيضا تستحدث معارك لم تكن على أچندة الحركات النسوية، أو حتى نكون منصفين لم تكن بالجسامة التى هى عليها الآن. ومن تلك المعارك، المعركة المتعلقة بأوضاع النازحات والمهاجرات واللاجئات والتى تمثل مأساة إنسانية متكاملة، والمعركة مع التقاليد الاجتماعية الظالمة التى تتنكر للنساء اللائى تعرضن للاغتصاب من الدواعش وتصمهن بالعار وتضع مستقبلهن ومستقبل أولادهن فى مهب الريح، والمعركة مع الأمراض العائدة بعد اندثارها والموارد النافدة والفقر المدقع والبيئة الملوثة. هذه إذن هى الخريطة العامة لوضع المرأة العربية بعد مرور ربع قرن على انعقاد مؤتمر بكين، وبالتالى فإن أخذها بعين الاعتبار يقتضى تشابك جهود الحكومات مع جهود المنظمات غير الحكومية للسير فى مسارين متكاملين، المسار الأول هو البناء على الإنجازات التى تحققت للمرأة العربية ومعالجة بعض الأسباب التى مازالت تحول دون تحقيق المساواة المنشودة، وهناك من يضع قوانين الأحوال الشخصية بصورتها الحالية على رأس هذه الأسباب على أساس أن عدم المساواة فى المجال العام ماهو إلا انعكاس لعدم المساواة فى داخل الأسرة. والمسار الثانى هو معالجة الآثار السلبية للصراعات المسلحة على وضع المرأة العربية، ومع إدراك أن هذه المعالجة ترتبط بداية بوقف الصراعات المسلحة إلا أن هناك بعض الأوضاع التى لا تحتمل التأخر فى مواجهتها كقضية المغتصبات وأطفالهن والتى تحتاج إلى تدخل تشريعى منصف وعادل وإنسانى، فلا يعقل أن نتباهى بعدد النساء فى مواقع صنع القرار ونعجز عن اتخاذ قرارات مصيرية حين نحتاج إليها. لمزيد من مقالات د. نيفين مسعد