6 جامعات من الجيل الرابع .. منظومة التعليم العالي تشهد إنجازًا تاريخيًّا في سيناء في عهد الرئيس السيسي    رئيس قوى عاملة النواب يهنئ الرئيس السيسي بذكرى تحرير سيناء    لهذا السبب.. احصل على ضعف مرتبك في عيد تحرير سيناء    طلاب النقل يواصلون امتحانات الفصل الدراسي الثاني ب«أزهر المنيا»    بمناسبة ذكرى تحرير سيناء.. محافظ أسيوط يشارك في وضع إكليل زهور على النصب التذكاري للشهداء    بسبب المقاطعة| البلطي يتراجع 30 جنيهًا والمكاريل 45 في أسواق القاهرة    مدبولي: دعم قطاع الصناعة أصبح يؤتي ثماره في العديد من القطاعات الإنتاجية    في حضور القنصل.. محافظ الإسكندرية يؤكد عمق العلاقات بين مصر واليونان    سهم فولفو للسيارات يهوي بنسبة 8.8%    نائب وزير الإسكان يفتتح معرض إدارة الأصول في نسخته الخامسة    طلب إحاطة ب«النواب» يشكو من إهدار المال العام في خزان مياه «ابني بيتك» بحدائق أكتوبر    جيش الاحتلال يهاجم أهدافا لحزب الله في جنوب لبنان    ادعاءات إسرائيلية مرسلة.. أبو الغيط يُرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول الأونروا    المدرسة البرتغالية.. أيمن يونس يكشف الفرق بين جوميز ومانويل جوزيه    موعد مباراة ليفربول وإيفرتون اليوم فى الدوري الإنجليزي (التشكيل والقنوات الناقلة)    مفاوضات مع الزمالك.. إعلامي يكشف عن بديل عبد الله السعيد في بيراميدز    انتهت ب حادث.. سيارة طائشة تثير فوضى داخل حدائق الأهرام في الجيزة    جنايات القاهرة: براءة طالب التجارة من الاتجار بطفلة في المقطم    المشدد 10 سنوات وغرامة 200 ألف جنيه لتاجر ماشية وآخر في حلوان|شاهد التفاصيل    «جنايات فوه» تستأنف محاكمة 4 متهمين بقتل طالب في كفر الشيخ    بالسعودية.. هشام ماجد يتفوق على علي ربيع في الموسم السينمائي    فيلم أجنبي يتصدر شباك تذاكر السينما في مصر والسعودية.. تعرف عليه    مستشفيات جامعة المنيا تستقبل الدفعة الأولى من مصابي غزة.. شاهد    6 تعليمات من «التعليم» بشأن امتحانات «الترم الثاني».. منها وضوح الأسئلة    «الشيوخ الأمريكي» يوافق على مشروع قانون لفرض قيود على «تيك توك»    حظر سفر وعقوبات.. كيف تعاملت دول العالم مع إرهاب المستوطنين الإسرائيليين بالضفة الغربية؟    عضو ب«النواب» يطالب بمحاكمة جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد اكتشاف مقابر في غزة    يطرحه مساء اليوم، أغاني ألبوم رامي جمال الجديد «خليني أشوفك»    DMC تعرض تقريرا عن الفنان الراحل محمود مرسي في ذكرى رحيله    النقل: تقدم العمل بالمحطة متعددة الأغراض بميناء سفاجا    مصر تفوز بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الإفريقية    طلب إحاطة بشأن تحصيل رسوم من مرضى الطوارئ بالمستشفيات    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    بالفيديو.. اللواء علي حفظي: سيناء درع مصر القوي ضد كل الطامعين    ريانة برناوي أول رائدة فضاء سعودية ضيفة «يحدث في مصر» الليلة    بسبب الحرب على غزة.. كل ما تحتاج معرفته عن احتجاجات الجامعات الأمريكية    مروان عطية يصدم الأهلي قبل مواجهة مازيمبي الكونغولي    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 24-4-2024 والقنوات الناقلة    دعاء الحر الشديد.. 5 كلمات تعتقك من نار جهنم وتدخلك الجنة    "لا يرتقي للحدث".. أحمد حسام ميدو ينتقد حكام نهائي دوري أبطال آسيا    تفاصيل الحالة المرورية بالمحاور والميادين صباح الأربعاء 24 أبريل    نقيب الأطباء: الحبس عامين للمعتدي على طبيبة بدمياط    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    رئيس «المستشفيات التعليمية»: الهيئة إحدى المؤسسات الرائدة في مجال زراعة الكبد    متحدث "البنتاجون": سنباشر قريبا بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة    تاريخ مميز 24-4-2024.. تعرف على حظك اليوم والأبراج الأكثر ربحًا للمال    8 مليارات دولار قيمة سلع مفرج عنها في 3 أسابيع من أبريل 2024.. رئيس الوزراء يؤكد العمل لاحتياط استراتيجي سلعي يسمح بتدخل الدولة في أي وقت    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    الذكرى ال117 لتأسيس النادي الأهلي.. يا نسر عالي في الملاعب    تعرف على مدرب ورشة فن الإلقاء في الدورة ال17 للمهرجان القومي للمسرح؟    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    نتائج مباريات الأدوار من بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    بايدن يعتزم إرسال أسلحة جديدة لأوكرانيا اعتبارا من "هذا الأسبوع"    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناكر الجميل
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 04 - 2019

أنا طبيب, ومتزوج منذ عشرين عاما، ولى ثلاثة أبناء وشقيقتان, وأقف الآن على أعتاب الخمسين من عمرى، وقد نشأت فى أسرة مكافحة, وأصبحت أنا وشقيقتاى ذوى شأن, ونحتل مراكز مرموقة، فشقيقتى الأولى تشغل وظيفة كبرى فى محافظة ساحلية, ويعمل زوجها فى الوظيفة نفسها، وتقيم شقيقتى الأخرى فى دولة أوروبية, وتعمل مع زوجها فى مجال الأبحاث الكيميائية, وحصلا أخيرا على جنسية هذه الدولة، وتوفيت والدتى منذ ما يقرب من ثمانى سنوات, ومنذ رحيلها يقيم والدى بمفرده بناء على رغبته, وقبل خمس سنوات بدأت الأمراض فى الزحف إلى جسده تدريجيا، فأصبح فى حاجة إلى عناية طبية مستمرة, ولذلك طلبت منه بإصرار أن ينتقل إلى بيتى للإقامة معى فوافق بعد إلحاح, ولم تمض أيام حتى تمرد على نمط حياتى، فهو ينام مبكرا, بينما يظل أولادى «سهرانين» أمام التليفزيون أو فى صالة المنزل إلى وقت متأخر, وتسبب له الأدوية التى يتعاطاها حالة من التوتر الشديد, وعندما تجيئه هذه الحالة يصبح شخصا آخر, وينالنا جميعا منه قدر كبير من الإهانات, والصوت العالى والعصبية الشديدة، ولا يجرؤ أحد على الحديث معه أو يحاول تهدئته، لا أبنائى، ولا زوجتي, وكل ما يحدث أنهم يحسون بالضيق قليلا, ولكنهم سرعان ما يتداركون الأمر، ويتفهمون أنه جدهم المريض، وليس على المريض حرج، ولا تتوقف تصرفات والدى عند هذا الحد, فهو كثير الطلبات, ويشغل كلامه الدائم أبنائى عن مذاكرتهم, ولا يستطيعون تجاهله أو الانصراف من أمامه قبل أن يتم حديثه, فيجلسون مضطرين لسماع قصصه التى لا يمل من تكرارها على مسامعهم.. ومع ذلك ضاق بحياته معنا وقرر العودة إلى منزله مرة أخري..
ولم أجد بدا من البحث عن حل آخر, وهدانى تفكيرى إلى أن أوفر له جليسا يعتنى به ويزوره باستمرار, ويعوضه عنا فلكل منا مشاغله ولا أستطيع أن أمكث معه وقتا طويلا لانشغالى بعملى وأطمئن عليه بالتليفون عدة مرات فى اليوم, وأزوره كل ثلاثة أيام لبعض الوقت، وتصورت أن فكرة الجليس سوف تؤتى ثمارها لكن يبدو أننى كنت متفائلا أكثر من اللازم.. إذ إن من وقع عليه اختيارى لهذه المهمة لم يعمل معه سوى أسبوعين فقط ثم اعتذر لى عن عدم الاستمرار فى هذه المهمة بسبب عصبيته الزائدة وطلباته الكثيرة, وفقدانه أعصابه فى بعض الأحيان وطرد من يجلس معه.
وذات يوم ذهبت إلى زيارته فوجدت عنده صديقا قديما له من مدينة ساحلية وفى مثل سنه تقريبا, ولاحظت أن والدى مرتفع المعنويات وسعيد بوجود من يسمعه ويشاركه الحديث عن ذكريات الشباب والأحداث التى عاصراها معا، وسألت نفسى لماذا لا أبحث له عن جليس فى مثل سنه, ولكنى لم أجد, واقترح علىّ صديق لى أن أودعه دارا لرعاية المسنين, توفر له الرعاية الكاملة, ويجد فيها ضالته حيث يكون جميع النزلاء فى سن متقاربة.
والحقيقة أننى لم أتحمس لهذه الفكرة, وأرى أن إيداعى أبى دارا للمسنين عيب كبير، فأعاد صديقى علىّ نصيحته مؤكدا أنه سوف يجد فى هذه الدار كل اهتمام, وأننى سأدفع مبلغا كبيرا كل شهر لها, ونصحنى باصطحاب والدى فى زيارة إليها ليقرر هو بعدها ما يريد.
ونفذت اقتراحه, وطلبت من أبى أن يأتى معى لزيارة صديق لى يعمل بالدار فوافق, وهناك حدث ما توقعه صديقى ولاحظت انفراج أساريره, وأبدى انبهاره بالمستوى الراقى للدار, ووجدته هو الذى يطلب منى أن أحجز له غرفة بها لكى يكمل باقى حياته وسط أناس فى مثل سنه يرتاح إليهم ويأنس بهم.. وفى اليوم التالى أتممت كل الإجراءات ولا تتصور مدى السعادة التى بدت عليه وكأنه طفل ذاهب إلى رحلة مدرسية، وعدت من عنده وأنا مرتاح البال وأمسكت بسماعة التليفون لأبلغ شقيقتىّ بالخبر السعيد, فإذا بهما تصبان علىّ سيلا من الهجوم وتصفانى بأننى ابن عاق رمى والده فى دار المسنين بعد كل هذا العمر, ولم تفلح محاولاتى لكى يعدل أقاربى عن فكرتهم.. لماذا؟ لأنهم متأثرون بصورة المسن الذى يلحقه أهله بدار المسنين فى الأفلام والمسلسلات التليفزيونية القديمة؟!
يا إلهى ما هذا التفكير؟.. لقد أصبحت فى نظر المجتمع والمحيطين بى إبنا عاقا ناكرا للجميل وعاتبتنى عمتى وقالت لي: إذا لم تتحمله دعه يعش معى أنا وأولادى وأمام الضغوط المتتالية ذهبت إليه ورجوته أن يعود معي, وقلت له إننا سنوفر له حياة أفضل مائة مرة من التى يعيشها فى الدار.. وأننا سوف ننفذ كل طلباته, لكنه رفض بشدة, بل ونهرنى أمام الجميع فخرجت من عنده أتصبب عرقا, وأبكى بحرارة على نصيبى وظروفي.
وهكذا عدت إلى البيت أجر أذيال الخيبة, فوجدت الأسرة كلها فى انتظارى فرويت لهم ما حدث وطلبت منهم أن يزوروه ويتأكدوا من كلامى وبالفعل فى الصباح الباكر كان الجميع فى حجرته بالدار.. وحاولوا أخذه بكل الطرق لكنه أصر على موقفه.. فالتفتوا إلىّ واتهمونى بأننى حولت حياته إلى جحيم فقرر الهرب منى والجلوس مع الغرباء!
ومع الأيام بدأت ألاحظ نظرات غريبة ممن حولي.. نظرات تتهمنى بالعقوق والتقصير فى حق من ربانى وجعلنى رجلا.. نظرات تقتلنى وتحيل حياتى إلى جحيم.. بل إن منهم من قال إن مكافأة نهاية الخدمة التى أعطيتها لوالدى هى إلقاؤه فى دار للمسنين.
إننى أريد أن أسألك: هل أنا عاق لوالدى حقا, ثم ما الذى أستطيع أن أفعله فأصبح بارا به فى نظر الناس ولا أغضبه فى نفس الوقت؟.. لقد فوضت أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد.

ولكاتب هذه الرسالة أقول:
من حق أبيك عليك أن توفر له كل سبل الراحة, وهو فى هذه المرحلة المتقدمة من العمر, ومن الواجب الذى لا جدال فيه تجاهه أن تسعى قدر جهدك إلى أن يعيش بينكم, فتشعره وتشعر معه بالدفء الأسري, ويتعلم أبناؤك معنى الأسرة, وتتواصل الأجيال فى مسيرة عطاء لا تنتهي.
ومادمت قد حاولت ذلك ولم تفلح, وفضّل أبوك حياة دار المسنين على العيش معكم, فقد أصبح عليك دور جديد ينبغى أن تحرص عليه, إذ لا يكفى أن تدفع مصاريف الدار وتوفر له المتطلبات المادية التى يحتاج إليها, وإنما يجب ان تتواصل معه بالزيارات, وأن تصطحب أولادك إليه مرة كل أسبوع, وتدعوه إلى زيارتكم والمبيت معكم ولو مرتين فى الشهر.. فيجتمع الشمل وتصفو النفوس, وتسير عجلة الحياة.
تخيل ياسيدى اليوم الذى ستصل فيه إلى هذه السن, ويأخذك أولادك إلى هذه الدار أو غيرها, وقل لى كيف سيكون شعورك وقتها؟! ألن تتذكر ما قدمته لهم طوال حياتك ثم إذا بهم يتخلون عنك؟.
صحيح أنك فعلت ما فى وسعك لإرضائه, ولست عاقا أبدا بعد محاولاتك المستميتة معه للبقاء بينكم.. لكن الصحيح أيضا أنك فعلت ذلك للتخلص من كلامه الدائم وطلباته الكثيرة على حد تعبيرك التى تشغل الأبناء عن المذاكرة.
لقد أوصانا الله سبحانه وتعالى ببر الوالدين, وشرح لنا طريقة معاملتهما فى الكبر, لدرجة أنه أمرنا عز وجل, بألا نقل لهما مجرد أف التى قد تخرج عن الإنسان رغما عنه فى حالة الضيق والضجر.. نعم إلى هذه الدرجة يوصينا الحق سبحانه وتعالى بآبائنا وأمهاتنا.. وعلينا أن نضع دائما هذا الأمر الإلهى نصب أعيننا, وندرك تماما أننا كما ندين ندان. وأن الأيام تدور, وسوف نشرب من نفس الكأس التى نسقيها لهم.
ما أكثر الأبناء العاقين الذين لا يدركون صنيع آبائهم إلا بعد فوات الأوان فاحذر أن تقع فى هذا المحظور, وواصل سعيك معه لكى يحس بالأمان والطمأنينة, ويمكنك أن تقتسم مع شقيقتيك الزيارات له, وأن ترتب مع باقى الأهل مسألة التواصل معه.
أما كلام الناس فلا طائل منه, ولا تدعه يؤثر فيك مادمت تعامل أباك بما يرضى الله.. أسأل العلى القدير أن يهديك إلى الطريق المستقيم, وأن تكون مكافأة نهاية خدمتك هى نفس مكافأة نهاية الخدمة التى تقدمها لأبيك، والله المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.