طلبت أن أزور معبدا بوذيا.. فأيقظونى فى الخامسة صباحا وذهبنا.. وجدت فى الساحة أمام المعبد ثلة من الناس يؤدون تمارين الصباح، أغلبهم تجاوز ستين عاما بقليل أو كثير.. كان الجو باردا ولكن سخونة النشاط الرياضى ملأتنا دفئا.. سألت نفسى كيف هم أصحاء وأقوياء أولئك الصينيون؟ .. وعرفت أنه التوازن بين الروح والجسد والعقل وأيضا معجزة الطب الصينى الذى يقول عنه د.سامى نصار ..إنه مدرسة تنقذ الناس والفقراء من غلواء تكاليف العلاج الباهظة فى الطب الغربى . سألت هل ستسمح مافيات شركات الدواء العالمية بذلك؟.. قال هذه هى المعركة الكبرى الدائرة حاليا.. ولكن بروفيسيرا أمريكيا كبيرا كان فى مؤتمر ببكين واعترف مؤخرا بعبقرية الطب الصينى عندما تعرض لأزمة صحية مفاجئة هناك وشاهد أن التخدير كان بالإبر الصينية فى مكان العملية فكان واعيا ومندهشا مما يحدث. وبدأ بعد ذلك يطالب العالم بتغيير أنظمته الطبية.. أنا شخصيا قرأت أن فرنسا مثلا فيها الآن واحد من كل خمسة يتداوى على الطريقة الصينية, عقبال مصر..ياليتنا نستفيد من هذه التجربة فى مشروع «مائة مليون صحة». .. على أى حال حضارة الصين تتلخص فى ثلاثة أضلاع: أولا الكونفوشيوسية لإصلاح العقل والعالم…ثانيا البوذية لإصلاح الروح ..ثالثا الطاوية لإصلاح الجسد.. وهذا هو سر عبقرية الدجاجة الصينية التى سوف تفترس رجل الكاوبوي.. فالصين فى أطلس الكرة الأرضية على شكل دجاجة ولكنها قوة تغزو أمريكا الآن بثقافتها ومنتجاتها المدهشة.. وشباب مصر يعى ذلك جيدا ويقبل بشدة على دراسة اللغة الصينية من أجل الحصول على مستقبل أفضل. وقد حدثنى شى يوه وين مدير المركز الثقافى والمستشار الصينى عن الطفرة التى حققها من درسوا لغة الصين والفرص التى فازوا بها فى الشركات العالمية ومن بينهم مرشدون سياحيون، حيث يحصل الشاب أحيانا على مائتى دولار فى اليوم وفى حديثى مع الدكتور ناصر عبد العال أستاذ اللغة الصينية علمت أن الجامعات هناك مفتوحة ليلا ونهارا وصيفا وشتاء والطلاب يسكنون فيها بعيدا عن أهاليهم كى يتفرغوا للعلم ويقضوا أوقاتهم بين المعامل والمدرجات والملاعب، إنها حياة متكاملة نفتقدها نحن هنا فى مصر، قلت له هذا ماشاهدته أيضا فى جامعة ماستريخت، حيث حصلت فيها على الدكتوراة..إن الجامعة هناك مدينة متكاملة مثلما شاهدت أيضا فى جامعة اكسفورد. إذن التجربة الصينية مجال حيوى للفرص والانطلاق نحو شراكات اقتصادية وثقافية وإعلامية.. فالمسلسلات الصينية الآن تعرض على شاشة التليفزيون المصرى وتطمع السيدة فائزة جانج لى المديرة الإقليمية للإذاعة الصينية فى تبادل إعلامى وتعاون كبير .. قلت لها مداعبا.. ربما يكون خطرا على المذيعين هنا لأنكم اخترعتم المذيعة والمذيع الروبوت الذى يتحدث بطلاقة وحيوية ولايخطئ وبالتالى يخاف الإعلاميون من الاستغناء عنهم .. ولكننا اتفقنا فى النهاية على أن التقدم لن يغنى أبدا عن الإبداع الإنسانى … حين شرفت بإدارة ندوة حوار الثقافات بالأوبرا بتنسيق من السيدة آمال سعد ..لم أكن أتوقع هذه الحماسة الجبارة من الجمهور ولم أكن أتوقع أيضا هذا النهم والشغف لمعرفة سر التجربة الصينية حتى إن بعضهم تزوج من الصين وحكى عن نجاح تجربة دبلوماسية المصاهرات قلت والله على البركة سيكون زواجا ميمونا. ..الظاهرة اللافتة للنظر هى أن الدبلوماسيين الصينيين أغلبهم يتحدث اللغة العربية ويتحاور بها ويزداد الطلب على لغتنا الجميلة يوما بعد يوم.. ربما يساهم ذلك فى مزيد من التفاهم والتعاون ونقل الخبرات والعلوم لعلنا نخرج من النفق المظلم. لمزيد من مقالات د.جمال الشاعر