على أرض ليبيا.. الكل يلعب! العالم كله موجود هناك، وعلى الأرض. الكل يسعى جاهدا لبقاء الحال على ما هو عليه. أى تغيير فى موازين القوى مرفوض. أى محاولة لترجيح كفة طرف على طرف ستقابل بالرفض. استمرار تقسيم ليبيا إلى شرق وغرب يبدو هدفا تسوق له دول كبري. الميليشيات موجودة بناء على طلب الجماهير. جيش وطنى «لأ». مؤسسة عسكرية موحدة .. أبدا لن يحدث. حل ميليشيات ونزع أسلحة، «أمبوسيبل»! حل «الدولتين» تفضله دول كبرى تصدعنا ليل نهار بالحديث عن حل سياسى. موقف المجتمع الدولى من معركة طرابلس يؤكد وجود تخاذل، ورغبة أكيدة فى بقاء الحال على ما هو عليه لأطول فترة ممكنة. الدول الغربية التى تسببت فى نكبة ليبيا، لا تنتظروا منها أى خير. قد تكون ليبيا بالنسبة لهم مجرد مكان مناسب لتجميع الإرهابيين وقيام دولة داعش بعد تهريب الإرهابيين من سورياوالعراق عبر المتوسط. قد يكون الهدف السيطرة على ثرواتها البترولية إلى الأبد كنموذج العراق، وقد يكون الهدف وضع خنجر دائم فى جنب مصر للضغط عليها بين الحين والآخر! قبل أيام، فوجئت قوات الجيش الليبى خلال عملية طرابلس بوجود قوات أمريكية تعمل على الأرض، لماذا، ومع من، وضد من؟ لا أحد يعرف! ولكن، لا أعرف لماذا المفاجأة، والعالم كله يعرف أن هذا أيضا كان نفس الدور الذى تلعبه ولعبته أمريكا على الأرض فى سوريا على مدى سنوات. الإعلام الأمريكى «بتاع» الشفافية وحرية التعبير, لم يفصح من قبل عن وجود قوات أمريكية فى ليبيا، ولم ينشر أى خبر عن وجود هذه القوات إلا بعد أن إتمام عملية نقل الجنود بالفعل قبالة شاطئ «جنزور» شرق طرابلس بعد ساعات قليلة من بدء هجوم الجيش الليبى على المدينة لاستعادتها، وليس لاحتلالها! قيادة «أفريكوم» ووسائل الإعلام الأمريكية لم تذكر عن هذا الموضوع أى تفاصيل، سوى أن هذه القوات تم سحبها بسبب «الأوضاع الأمنية». وكالة «أسوشييتدبرس» قالت إن الكتيبة الأمريكية الموجودة فى ليبيا منذ سنوات كانت تقوم بمهمة حماية المنشآت الدبلوماسية، وتقديم الدعم للقوات المحلية التى تحارب مسلحى داعش والقاعدة .. «أى والله العظيم»! أحمد المسمارى المتحدث باسم الجيش الليبى نفسه أكد أن قواته فوجئت بوجود 300 فرد عسكرى أمريكى فى طرابلس، واعتبر أن هذا العدد «كبير جدا». ولكن، لماذا انسحاب هذه القوات الآن؟ هل لأن هذه القوات لا تريد خوض مواجهة مع حفتر؟ هل لأنها كانت تقوم «بمهمة ما» فى طرابلس لا يمكن الإفصاح عنها؟ هل لأن الجهود الدبلوماسية الأمريكيةوالغربية فشلت فى استصدار بيان من مجلس الأمن يدعو حفتر لوقف هجومه على طرابلس، بعد أن أدخلت روسيا تعديلا على صيغة البيان يطالب جميع القوات المتقاتلة فى ليبيا بوقف القتال، وليس قوات حفتر وحدها؟ هل لأن أمريكا استشعرت بأن قواتها كانت ستتواجد فى المكان الخطأ؟ هل لأن أمريكا وحلفاءها الغربيين يدركون جيدا أن من يوجد فى طرابلس ويدافع عنها فعليا هم مجموعات من الميليشيات؟ هل لأن أمريكا تتوقع بذلك سقوطا سريعا لطرابلس ومن فيها تباعا، وهو ما أكدته الاستقالة المفاجئة التى أعلنها على القطرانى نائب رئيس المجلس الرئاسى الليبي، احتجاجا على ما وصفه بانفراد السراج، الذى تحركه الميليشيات، بالقرارات، بحسب تعبيره؟ ألا يذكرنا وضع هذه القوات الأمريكية المريب فى ليبيا بما جرى فى سوريا من قبل؟ كل هذه الاحتمالات واردة، بل لا يوجد تفسير غيرها لحكاية الكتيبة الأمريكية هذه التى نستطيع أن نصفها صراحة بأنها «فضيحة» فى زمن كثرت فيه الفضائح وعز فيه الشرف! وبمناسبة لموضوع الشرف.. أين الشرف فيمن يحذرون الآن من حرب أهلية، وكأن ليبيا كانت مستقرة وتعيش «فى نعيم» قبل معركة طرابلس؟ أين الشرف فى أساتذة التآمر والتمويل الذين وصفوا عملية طرابلس بأنها «عدوان» وتتم بتعليمات وتمويل من الخارج؟ أين الشرف فيمن مولوا ودعموا الميليشيات فى ليبيا لكى تصل إلى ما هى عليه الآن من انقسام وتشتت؟ أين الشرف فيمن حذروا من أن يحذو الجيش الليبى حذو نماذج إقليمية أخرى لجيوش وطنية حافظت على بلدانها من الانهيار والتحلل؟ أين الشرف فيمن يتهمون مصر وغيرها بزعزعة الاستقرار فى ليبيا، وهى الدولة الوحيدة التى تتبنى موقفا رسميا يدعو للحل السياسي، ويستبعد حلا عسكريا للأزمة هناك، رغم تضرر أمنها القومى جراء انعدام وجود الدولة فى ليبيا؟ لماذا تستهوى بعض العرب فكرة «شيطنة» مؤسسات الدولة وجيوشها النظامية، تحت مسميات التغيير والديمقراطية والحرية، ونحن لم نر من وراء ذلك سوى الخراب والتشرذم، وليبيا أقرب مثال؟ .. رباه .. متى يغرب عن وجوهنا ذلك «الربيع» الخانق؟! لمزيد من مقالات هانى عسل