لم يكن القمص سرجيوس خطيب ثورة 1919 ليتمتع بالطلاقة فى اللغة العربية والفصاحة فى الخطابة، إلا إذا كان هناك من غرس فيه البذرة من الصغر. السر تكشف عنه وثيقة بخط يده، قال فيها إنه تلقى دروسا فى العربية «مصاغة فى قالب من الحكمة»، عندما كان يدرس بمدرسة الأقباط الكبرى فى شبرا على يد العالم الشيخ محمد ماضى أبو العزايم. الوثيقة اكتشفها أحفاد الشيخ أبو العزايم منذ سنوات فى تراث جدهم، وقد تأكد محمد البشير وشقيقه سعيد من صحة الوثيقة بسؤال أحد رجال الكنيسة المصرية، الذى أكد لهم أنها بخط يد القمص سرجيوس. يحكى خطيب ثورة 19 كيف التقى أستاذه مصادفة بعد سنوات من تخرجه فى المدرسة الإكليريكية، فيقول: «عينت أسقفا لكرسى الخرطوم، وفى يوم جمعة كنت مارا أمام محطة الترام الوسطى وأحسب ذلك فى سنة 1912، فما أدهشنى إلا وأستاذى القديم يمد لى ذراعيه ويحتضننى بين يديه، وأنا ذاهل لا أعى ما أقول… فلما تأملته مليا قلت: مولانا الشيخ ماضي، فقال: أعرفتنى الآن، ثم دعا لى بالبركة وطول العمر». ثم يتأمل سرجيوس عندما كان أول داع من دعاة التقريب بين الهلال والصليب فى سنة 1919، فبدأ يتساءل: أى رجل من علماء المسلمين قد احتضنه من قبل مثلما احتضنه الأزهر، فلما تذكر الماضى قال: هذه بلا شك بركة الشيخ ماضي. ويصف سرجيوس أستاذه بنفاذ البصيرة وصفاء السريرة، وبأنه من بين رجال أخلصوا النية لله وأحسنوا الطوية، فجمع لهم القلوب، فهم ليسوا لأنفسهم فحسب بل للعالم أجمع. يوضح سعيد حفيد الشيخ أبو العزايم أن جده عمل أستاذا للشريعة الاسلامية فى إحدى جامعات الخرطوم، واشترك مع القمص سرجيوس فى مواجهة الاحتلال الإنجليزى فى السودان، وبعد أن ضاق بهما الاحتلال ذرعا أجبرهما على الرحيل إلى مصر. وقد اشتركا سويا فى مظاهرات ثورة 1919، كما كانت منشورات الثورة تطبع فى بيت الإمام، مشيرا إلى أن الوثيقة التى عثر عليها كان سرجيوس قد كتبها تلبية لدعوة الكاتب محمود ماضى، ابن شقيق الشيخ ماضى أبو العزايم، كشهادة منه توضع فى سجل الشيخ الجليل.