ما كنت أحب أن أكون كاتب هذا المقال. حلمت لو كتبه غيرى. فلا يصح القيام بعمل ونكتب عنه. لنقاوم الوقوع فى حفرة الذات. ولكن لأننا نعيش فى مجتمع مدجج. كل واحد يمسك بما يؤذى الآخرين. مهما يكن ما يقومون به لمصلحة الوطن. حالة أتمنى الخروج منها بأسرع ما يمكن وبأقل الخسائر الممكنة. لكن لا بد مما ليس منه بد. وأمرى لله. أقامت لجنة القصة فى المجلس الأعلى للثقافة فعاليتين مهمتين الأسبوع الماضى. الأولى تكريم المبدعات المصريات، الثلاثاء. كان حلمنا أن تتم إما يوم عيد الأم أو يوم المرأة المصرية. لكن ارتباطات المشاركات وظروفهن جعلتنا نؤجل الاحتفال أكثر من مرة. حرصت الدكتورة إيناس عبد الدايم، ليست بصفتها وزيرة الثقافة. ولكن باعتبارها واحدة من المثقفات المصريات على الحضور. رغم أنها كانت فى رحلة إلى نابولى. وعادت مبكرة لكى تكون موجودة. ولكى تكرم المصريات المكرمات واحدة واحدة بنفسها. الدكتور سعيد المصرى، الأمين العام بالمجلس الأعلى للثقافة. كان من الذين دعموا الفكرة التى قامت بها وتولتها من الألف للياء زميلتنا الروائية والقاصة هالة البدرى. وأمضت أياماً وليالٍى تسعى لإتمام الاحتفال بنجاح. فى بلادنا ما أسهل أن تقوم بالخطوة الأولى. لكن تبقى الخطوات التى تليها الفريضة الغائبة والتحدى الذى لا نقوم به. سعدت عندما قررت وزيرة الثقافة ألا يقتصر الاحتفال على صفته السنوية. ويقام أكثر من مرة. وتمنت لو أقيم بشكل شهرى. فالمرأة المصرية هى المربع الأول الذى لا بد أن نعود إليه وأن نتحرك منه لكى نعيد بناء بلدنا. وفكرة الاحتفال تاهت منا كثيراً. وأرجو ألا يستمر التوهان مستقبلا. تعانى المرأة المصرية من التهميش فى الواقع وينظر إليها كتابعة للرجل. والأمية تنتشر بين النساء أكثر من الرجال. والوظائف العامة تقل فيها النساء عن الرجال. وأنا لا أقسم المجتمع لرجال ونساء وأحاول تقديمهم باعتبار أن بينهم معركة دائمة ومستمرة. لكن التكامل بين آدم وحواء مطلوب لمصر. ومصر لم تكن تحتاجه أكثر من أيامنا. وصلت يوم الخميس إلى الإسكندرية لكى أشارك فى الدورة الخامسة للمشروع الثقافى الكبير: مصر المبدعة. يقيمه بالاشتراك بين مكتبة الإسكندرية ولجنة القصة زميلنا: منير عتيبة. الذى يمكن أن أصفه بالناشط الثقافى. كاتب غزير الإنتاج ينشر نتاجه الأدبى فى أرض بكر نسيناها مثل الصحافة العراقية واللبنانية والسورية. ولا يحول ذلك دون قيامه بدور مهم فى خدمة الثقافة المصرية. مصر المبدعة مشروع يقوم على تجميع شباب الكتاب والكاتبات فى محافظات مصر المختلفة. وهو أمر أهملناه طويلا. وجعلنا نركز ما نفعله فى القاهرة. وكل من ألقت به الظروف والمقادير خارج القاهرة عليه أن يدفع ثمن بعده عنها. من التجاهل وعدم الشهرة وعدم وصول ما يكتبه إلى الآخرين. مع أن الأسماء الكبيرة فى تاريخ الكتابة المصرية جاءت من الأقاليم. كانت المرة الأولى التى أذهب فيها إلى مكتبة الإسكندرية بعد أن تولاها بلدياتى وصديقى الدكتور مصطفى الفقى. وهو إنسان لا يوجد مثقف مصرى أو عربى إلا وقدم له مصطفى الفقى أجمل وأعطر الخدمات. لدرجة أنه يفاجأ كثيرا بمن يشكرونه على خدمات جوهرية قدمها لهم غيرت حياتهم للأفضل. واكتشف أنه لا يذكر ماذا فعل؟ وتلك قمة العطاء الإنسانى أن تعطى الآخرين وتنسى ما فعلته بدلاً مما يفعله بعض البخلاء أن يذكروك فى كل لحظة بما قدموه لك. لم يحضر مصطفى الفقى. كان مشغولاً باجتماعات مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية. وكان فى القاهرة. لأن الاجتماعات تبدأ باجتماع بين الرئيس عبد الفتاح السيسى ومجلس أمناء المكتبة. ثم تنتقل إلى الإسكندرية على مدى يومين يتدارس فيها المجتمعون ماذا فعلت المكتبة؟ وما لم تفعل؟ ورغم تغيبه حرص على أن يوجه كلمة رقيقة وعذبة كعادته للحاضرين. ألقتها هدى الميقاتى نائبته. عندما توصلت قبل الندوة بيوم واحد مع الدكتور سعيد المصرى، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة. لأدعوه والوزيرة الدكتورة إيناس عبد الدايم، لحضور المناسبة. اكتشف عندما سأل عن ارتباطاته استحالة أن يكون موجودا معنا. وعاتبنى على الدعوة المتأخرة مما يجعل تلبيتها مستحيلة. ووعدنى بأن يكون أول من يحضر وآخر من ينصرف فى الأعوام المقبلة. فى كل عام يأتى إلى الإسكندرية مبدعون من ثلاث محافظات. المشروع الكبير أوشك أن يكمل 10 محافظات. هذا العام كان معنا من يكتبون من بورسعيد، والسويس، والفيوم. يقدمون نتاجاتهم الأدبية قبل المؤتمر بفترة وتعرض على نقاد لقراءتها وتقييمها فى لقاءات مباشرة بين المبدع والناقد. حيث يقدم القاص أو الروائى عمله بكلمات قليلة. ويتولى الناقد تقييمه النقدى فى حضوره وسط الجماهير. التكاليف لا تذكر. فالانتقال إلى الإسكندرية والعودة منها يتولاها المجلس الأعلى للثقافة. والإقامة فى الإسكندرية تتحملها مكتبة الإسكندرية. ورغم أنها السنة الخامسة. فإننى أعترف, رغم إحساسى بالخجل من اعترافى ,أنها المرة الأولى التى أحضر مؤتمر اليوم الواحد لمبدعى مصر. جلست أتابع الجلستين الأولى والثانية من لقاء مصر المبدعة. وذكرنى العمل المهم والعظيم بستينيات القرن الماضى عندما كنا نذهب للندوات الأدبية ونقرأ نتاجاتنا الشابة الخجولة المترددة على مسمع من نقاد زماننا ويقولون آراءهم وجهاً لوجه لنا فيما قدمناه لهم من أعمال أدبية. وهو الأمر الذى لا نجده الآن فى أوساطنا الأدبية. فعلاوة على النقاد من أبناء الأقاليم. كان معنا من أعضاء لجنة القصة الروائية سلوى بكر. والروائية والناقدة عزة بدر.كنت أستمع لما يقال أمامى وأنا أوشك ألا أصدق نفسى. أخذتنى الأمور إلى منتصف ستينيات القرن الماضى. عندما جئت للقاهرة قادماً من قريتى. وذهبت إلى الجمعية الأدبية المصرية سواء فى التوفيقية أو بشارع قوله بعابدين. ورأيت الشباب يقرأون نتاجاتهم الأدبية. يستمع إليها صلاح عبد الصبور، وشكرى عياد، ويليام الميرى، وأحمد كمال زكى، وعز الدين إسماعيل.قدم لى الزميل الصحفى حسام عبد القادر، أحدث مطبوعات المكتبة. ومنير عتيبة أعطانى أعمال دورة 2015 من مصر المبدعة. ترى المجلد فيأخذك لأزمنة لم يعد لها وجود. كنا ننظر للكتاب بقداسة. لمزيد من مقالات يوسف القعيد